- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى النَّقْلِ مِنْ الْكُتُبِ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهِمَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَلْ صَرِيحُهُ جَوَازُ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْكُتُبِ الْمَوْثُوقِ بِصِحَّتِهَا وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا ابْنُ الصَّلَاحِ ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ وَيَحْصُلُ لَهُ الثِّقَةُ فِي غَيْرِ الْمَوْثُوقِ بِصِحَّتِهَا بِأَنْ يَجِدَهُ فِي عِدَّةٍ مِنْ أَمْثَالِهَا وَفِي الْمَوْثُوقِ بِصِحَّتِهَا بِأَنْ يَرَاهُ كَلَامًا مُنْتَظِمًا وَهُوَ فَطِنٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ غَالِبًا مَحَلُّ الْإِسْقَاطِ وَالتَّغْيِيرِ وَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِهِ وَكَانَ مُوَافِقًا لِأُصُولِ مَذْهَبِهِ وَهُوَ أَهْلٌ لِتَخْرِيجِ مِثْلِهِ فَلَهُ الْإِفْتَاءُ بِهِ وَلَا يَحْكِيهِ عَنْ إمَامِهِ إلَّا بِصِيغَةِ وَجَدْتُ عَنْهُ كَذَا أَوْ نَحْوِهَا وَغَيْرُ الْأَهْلِ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا ذِكْرُهُ بِلَفْظٍ جَازِمٍ مُطْلَقٍ وَلَهُ ذِكْرُهُ فِي غَيْرِ مَقَامِ الْفَتْوَى مُفْصِحًا بِحَالِهِ كَ وَجَدْت عَنْ فُلَانٍ أَوْ فِي نُسْخَةٍ مِنْ كِتَابِهِ كَذَا وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ فِي جُزْءٍ جَمَعَهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ السَّنَدِ إلَى مُصَنِّفِهَا وَقَالَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ مَنْ وَجَدَ شَيْئًا فِي كِتَابٍ صَحِيحٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ وَيَحْتَجَّ بِهِ وَمَنَعَهُ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ يَسْمَعُهُ وَهُوَ غَلَطٌ. اهـ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَجُوزُ الْعَمَلُ وَالْإِفْتَاءُ وَالْحُكْمُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا سَوَاءٌ الْمُقَلِّدُ الْبَحْتُ وَالْمُجْتَهِدُ فِي الْفَتْوَى وَغَيْرِهِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي وَالْعَامِلِ أَنْ يُفْتِيَ أَوْ يَعْمَلَ بِمَا شَاءَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ قَالَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَسَبَقَهُ إلَى حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ فِيهِمَا ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْبَاجِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمُفْتِي.
وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ بِغَيْرِ نَظَرٍ أَنَّ مَحَلَّ مَا ذَكَرَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَامِلِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مُطْلَقًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا صَحَّحَهُ فِيهَا مِنْ أَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ بَلْ لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ وَكَلَامُ الْقَرَافِيِّ أَوَّلَ أَحْكَامِهِ وَعِنْدَ السُّؤَالِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ وَالْمُقَلِّدَ لَا يَحِلُّ لَهُمَا الْحُكْمُ وَالْإِفْتَاءُ بِغَيْرِ الرَّاجِحِ لِأَنَّهُ اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى وَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَإِنَّ مَحَلَّهُ فِي الْمُجْتَهِدِ مَا لَمْ تَتَعَارَضْ الْأَدِلَّةُ عِنْدَهُ وَيَعْجِزْ عَنْ التَّرْجِيحِ.
وَإِلَّا فَقِيلَ تَسْقُطُ وَقِيلَ يَخْتَارُ وَاحِدًا وَلَيْسَ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى لِأَنَّهُ بَعْدَ بَذْلِ الْجُهْدِ وَالْعَجْزِ عَنْ التَّرْجِيحِ وَإِنَّ لِمُقَلِّدِهِ حِينَئِذٍ الْحُكْمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إجْمَاعًا وَهَذَا لَا يُخَالِفُ كَلَامَ الرَّوْضَةِ بِاعْتِبَارِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهَا بَعْدَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهَا وَيَلْتَزِمُ أَنْ يُقَالَ بِقَضِيَّةِ كَلَامِهِ الْأَخِيرِ فَإِذَا وَجَدَ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الرَّاجِحَ مِنْهُمَا وَعَجَزَ عَنْ طَرِيقِ التَّرْجِيحِ جَازَ لَهُ الْعَمَلُ بِأَيِّهِمَا أَحَبَّ فَقَوْلُ السُّبْكِيّ فَإِنْ قُلْت إذَا اسْتَوَى عِنْدَهُ الْقَوْلَانِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ بِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ كَمَا إذَا اسْتَوَى عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ أَمَارَتَانِ يَتَخَيَّرُ عَلَى قَوْلٍ قُلْتُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَعَارُضَ الْأَمَارَتَيْنِ قَدْ يُحَصِّلُ حُكْمَ التَّخْيِيرِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَثَلًا إذَا تَعَارَضَا وَلَمْ يَحْصُلْ بَيْنَهُمَا تَرْجِيحٌ وَلَا تَارِيخٌ يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ مَذْهَبُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ حَتَّى يَتَخَيَّرَ فَلَيْسَ إلَّا التَّوَقُّفَ إلَى ظُهُورِ التَّرْجِيحِ مُنَافٍ لِكَلَامِ الْقَرَافِيِّ الَّذِي نَقَلَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ ثُمَّ مُقْتَضَى قَوْلِ الرَّوْضَةِ أَيْضًا وَإِذَا اخْتَلَفَ مُتَبَحِّرَانِ فِي مَذْهَبٍ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي قِيَاسِ أَصْلِ إمَامِهِمَا وَمِنْ هَذَا يَتَوَلَّدُ وُجُوهُ الْأَصْحَابِ فَبِقَوْلِ أَيِّهِمَا يَأْخُذُ الْعَامِّيُّ فِيهِ مَا فِي اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ أَيْ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ التَّخْيِيرَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي الْعَمَلِ وَيُؤَيِّدُهُ إفْتَاءُ الْبُلْقِينِيُّ بِجَوَازِ تَقْلِيدُ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي الدُّورِ وَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَمَا فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ امْتِنَاعِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ خَطَأٌ غَيْرُ مُتَّجِهٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ السُّبْكِيّ فِي الْوَقْفِ مِنْ فَتَاوِيهِ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ الْقَوِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَمَلِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. اهـ.
فَكَلَامُ الرَّوْضَةِ السَّابِقِ مَحْمُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَمَلِ عَلَى وَجْهَيْنِ لِقَائِلٍ وَاحِدِ أَوْ شَكَّ فِي كَوْنِهِمَا لِقَائِلٍ أَوْ قَائِلَيْنِ كَمَا فِي قَوْلَيْ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ مِنْهُمَا لَمْ يَتَحَرَّرْ لِلْمُقَلِّدِ بِطَرِيقٍ يَعْتَمِدُهُ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ كَوْنَهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ خَرَّجَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّخْرِيجِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُ