الْقُونَوِيِّ قُلْت لَا؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْقُونَوِيِّ فِيمَا إذَا عَرَفَتْ أَوَّلَ دَوْرِهَا وَقَدْرَ حَيْضِهَا وَجَهِلَتْ قَدْرَ الدَّوْرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ لَيْسَ فِيهِ بِقِسْمَيْهِ إلَّا مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْعَادَةِ وَهَذَا لَا يُفِيدُهَا خُرُوجًا عَنْ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ زَمَنٍ يَمُرُّ عَلَيْهَا مُحْتَمِلٌ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالِانْقِطَاعِ وَلَا نَظَرَ لِحِفْظِهَا قَدْرَ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا تَجْهَلُ وَقْتَهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ لِتَعْلَمَ بِهِ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَتَزِيدُ بِتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ) هَذَا سَهْوٌ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا دَاخِلٌ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ (قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) هُوَ سَهْوٌ أَيْضًا.؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ (قَوْلُهُ: وَعُبُورُ الْمَسْجِدِ إلَخْ) لَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ كُلُّ ذِي نَجَاسَةٍ يُخْشَى مِنْهَا تَلْوِيثُهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: نَظَرَ عَوْرَتَهَا) أَيْ: إلَّا بِشَهْوَةٍ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْبِيرُهُ كَالنَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا بِالِاسْتِمْتَاعِ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِالْمُبَاشَرَةِ الْوَاقِعِ فِي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ كَالتَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ النَّظَرَ مُطْلَقًا فَيُحَلُّ وَيُدْخِلُ اللَّمْسَ مُطْلَقًا فَيُحَرَّمُ وَعَلَى الْعِبَارَةِ الْأُولَى لَا يَحْرُمُ اللَّمْسُ كَالنَّظَرِ إلَّا بِشَهْوَةٍ وَهُوَ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ أَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّهْوَةِ.
وَفِي ذَلِكَ مَزِيدٌ بَسَطْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) عِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَبَحْثِ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ تَمَتُّعَهَا بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ كَعَكْسِهِ وَاعْتَرَضَهُ كَثِيرُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ حَتَّى يَلْحَقَ بِهَا فَمَسُّهَا لِذَكَرِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِكَفِّهَا وَهُوَ جَائِزٌ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ وَفِي الْكُلِّ نَظَرٌ إذْ الدَّمُ لَيْسَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي عِلَّةِ حُرْمَةِ تَمَتُّعِهِ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا وَإِنَّمَا عِلَّتُهُ مَا مَرَّ نَعَمْ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُ خِلَافُ قَضِيَّةِ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَبَاحُوا لَهُ التَّمَتُّعَ بِذَكَرِهِ فِي كَفِّهَا مَثَلًا وَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ بِتَمَتُّعِهَا بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ. وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ أَنَّ تَمَتُّعَهُ هُوَ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا أَقْوَى فِي الدِّعَايَةِ إلَى الْوَطْءِ مِنْ عَكْسِهِ فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ مَا فِي الْإِسْعَادِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَيْلِ إلَى مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الْحُكْمُ بِحِلِّ تَمَتُّعِهِ بِذَكَرِهِ فِي كَفِّهَا وَحُرْمَةِ تَمَتُّعِهَا بِكَفِّهَا فِي ذَكَرِهِ مَعَ أَنَّهُمَا سَبَبَانِ فِي الدِّعَايَةِ لِلْوَطْءِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَعَ ذَلِكَ تَحَكُّمٌ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ زِيَادَةٌ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فَلَا بَأْسَ بِسَوْقِ عِبَارَتِهِ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ وَهِيَ (وَ) يَحْرُمُ (الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ) إنْ كَانَ وَقَعَ (بِلَا حَائِلٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَشَرَةِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] أَيْ الْحَيْضِ وَيَدُلُّ لَهُ اتِّفَاقُهُمْ أَنَّهُ الْمُرَادُ أَوَّلَ الْآيَةِ، أَوْ زَمَنُهُ، أَوْ مَحَلُّهُ وَهُوَ الْفَرْجُ وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَخَصَّ بِمَفْهُومِهِ عُمُومَ خَبَرِ مُسْلِمٍ اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ وَيُحْتَمَلُ جَعْلُ هَذَا مُخَصِّصًا لِمَفْهُومِ ذَلِكَ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا الْوَطْءُ وَاخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي عِدَّةٍ مِنْ كُتُبِهِ وَنَقَلَ عَنْ الْقَدِيمِ لَكِنْ اسْتَحْسَنَ فِي الْمَجْمُوعِ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ وَثِقَ بِتَرْكِ الْوَطْءِ لِوَرَعٍ، أَوْ قِلَّةِ شَهْوَةٍ جَازَ. وَإِلَّا فَلَا. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ الْأَحْوَطِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ وَأَيْضًا فَدَعْوَى تَخْصِيصِ الثَّانِي لِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ مَمْنُوعَةٌ لِأَنَّ مَنْطُوقَ الْأَوَّلِ حِلُّ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَمَفْهُومُهُ حُرْمَةُ مَا تَحْتَهُ الشَّامِلُ لِلنِّكَاحِ وَمَنْطُوقُ الثَّانِي حِلُّ مَا عَدَا النِّكَاحَ وَمَفْهُومُهُ حُرْمَةُ النِّكَاحِ فَلَا يَسْتَقِيمُ تَخْصِيصُ مَفْهُومِ الْأَوَّلِ بِمَفْهُومِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَذِكْرُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُ بِخِلَافِ مَنْطُوقِ الثَّانِي بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ إذْ هُوَ وَلَيْسَ مِنْ أَفْرَادِهِ إذْ حُكْمُهُ الْحُرْمَةُ وَحُكْمُ الثَّانِي الْحِلُّ فَحِينَئِذٍ مَنْطُوقُهُ يُخَصَّصُ بِأَمْرَيْنِ.
أَحَدُهُمَا مُتَّصِلٌ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالثَّانِي مُنْفَصِلٌ وَهُوَ مَفْهُومُ الْأَوَّلِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ رُجْحَانُ دَلِيلِ الْمَذْهَبِ وَتَعْبِيرُهُ بِالِاسْتِمْتَاعِ الشَّامِلِ لِلَّمْسِ وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ لَا بِغَيْرِهَا فِيهِمَا هُوَ مَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّهُ عَبَّرَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَمُقْتَضَاهَا تَحْرِيمُ اللَّمْسِ بِلَا شَهْوَةٍ دُونَ النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَنُوطٌ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ بِخِلَافِ النَّظَرِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ وَلَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ