وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى التَّمَتُّعِ إذْ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ أَنَّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَقْوَى فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَحْصُلُ الْإِفْضَاءُ إلَى ذَلِكَ إلَّا مَعَ الشَّهْوَةِ فَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ لِمَا مَرَّ مِنْ خَبَرِ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ تَمَتُّعَهَا بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ كَعَكْسِهِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ أَبُو زُرْعَةَ بَلْ قَالَ مَا قَالَهُ غَلَطٌ عَجِيبٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ حَتَّى يُلْحَقَ بِهَا فَمَسُّهَا لِذَكَرِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِكَفِّهَا وَهُوَ جَائِزٌ قَطْعًا وَبِأَنَّهَا إذَا لَمَسَتْ ذَكَرَهُ.
فَقَدْ اسْتَمْتَعَ بِمَا فَوْقَ سُرَّتِهَا وَهُوَ جَائِزٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِاللَّمْسِ بِيَدِهِ، أَوْ بِسَائِرِ بَدَنِهِ، أَوْ بِلَمْسِهَا لَهُ وَبِأَنَّهُ كَانَ الصَّوَابُ فِي نَظْمِ الْقِيَاسِ أَنْ يَقُولَ كُلُّ مَا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ نَمْنَعُهَا أَنْ تَلْمَسَهُ بِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْمَسَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ سَائِرَ بَدَنِهَا إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ لَمْسِهِ بِمَا مَسَّهَا قَالَ شَيْخُنَا وَفِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّ وُجُودَ الدَّمِ بِالْفِعْلِ لَيْسَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْعَلِيَّةِ فَبَطَلَ مَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ الَّذِي يُتَّجَهُ خِلَافُ مَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ لَا لِمَا ذَكَرُوهُ بَلْ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ. إنَّمَا هِيَ وُجُودُ التَّمَتُّعِ فِي مَظِنَّةِ الدَّمِ، أَوْ حِمَاهَا وَذَلِكَ مَوْجُودٌ عِنْدَ تَمَتُّعِهِ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا بِخِلَافِ تَمَتُّعِهَا هِيَ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لَمْسُ مَظِنَّةِ دَمٍ وَلَا حِمَاهَا فَكَانَ الْأَوْجَهُ جَوَازُهُ وَجَوَازُ تَمْكِينِهِ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو لِلْوِقَاعِ كَدِعَايَةِ لَمْسِهِ هُوَ لِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا ضَرُورَةُ تَمْيِيزِ الْحَيِّ عَنْ غَيْرِهِ وَدَعْوَى أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ خَشْيَةُ الْوُقُوعِ فِي الْجِمَاعِ الْمُحَرَّمِ مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهَا تَحْرِيمُ التَّمَتُّعِ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ إذَا خُشِيَ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ. مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى وَتَحْرِيمُ غَيْرِهِ خَوْفَ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ مِنْهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ تَضَمُّخَهُ بِالْأَذَى بَعْدَ انْفِصَالِهِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ لَهُ وَوَطْءُ حَائِضٍ لَا أَذَى بِفَرْجِهَا بِوَجْهٍ مُحَرَّمٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْأَذَى بِالْفِعْلِ بَلْ إنَّهُ مَظِنَّةٌ لَهُ وَمَا نِيطَ بِالْمَظِنَّةِ لَا يَضُرُّ فِيهِ التَّخَلُّفُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ
وَمَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ أَيْ: تَحْرِيمَ الْحَيْضِ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِهِ كَبِيرَةً فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ عَلَيْهِ بِأَنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ حَرَامٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقْصِدَ هِيَ اللَّمْسَ الْمُحَرَّمَ، أَوْ يَقْصِدُهُ هُوَ إلَّا أَنَّهُ إذَا مَنَعَهَا لَمْسَ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ حَرُمَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا. وَإِذَا مَنَعَتْهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ إلَّا لِمُوجِبٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَجِمَاعُ الْحَيْضِ يُورِثُ عِلَّةً مُؤْلِمَةً لِلْمُجَامِعِ وَجُذَامًا فِي الْوَلَدِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ (وَقَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ: الْوَطْءِ فَحَيْثُ يُحْكَمُ بِطُهْرِهَا أَيْ: بِأَنْ كَانَ تَحَيُّرُهَا نِسْبِيًّا لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) عِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ جَارِيًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ جَمْعٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ انْتَهَتْ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَصَحِّ لَعَلَّهُ أَرَادَ حِكَايَةَ الْخِلَافِ الْحَالِيِّ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا إلَخْ) لَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْمُتَحَيِّرَةِ وَلَا بِالْمُعْتَادَةِ. بَلْ كُلُّ مَنْ رَأَتْ دَمًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَيْضًا يَلْزَمُهَا أَنْ تُمْسِكَ إلَى أَنْ يُجَاوِزَ خَمْسَةَ عَشَرَ (قَوْلُهُ: صَلَاتُهُ) أَيْ: الزَّائِدِ عَلَى مَرَدِّهَا (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ فِيهَا عَنْ ظَاهِرِ نَصِّ الْأُمِّ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ والخراسانيي ن وَأَيَّدَهُ بِنَصِّ الْأُمِّ وَلَمْ يَنْقُلْ الثَّانِي إلَّا عَنْ تَصْحِيحِ الرَّافِعِيِّ وَقَطْعِ صَاحِبِ الْحَاوِي فَقَطْ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ تَحْشُوهُ) الْوَجْهُ فَتَحْشُوهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْحَشْوِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَصْبِ وَبَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَالْوُضُوءِ وَبَيْنَ أَفْعَالِهِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ لَمْ يُؤْذِهَا الدَّمُ) . أَيْ: إيذَاءً شَدِيدًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً وَلَمْ تَكُنْ مُفْطِرَةً بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ (قَوْله كَفَتْ الْعِصَابَةُ) أَيْ: نَهَارًا لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَيُبَادِرَانِ) أَيْ: الْمُسْتَحَاضَةُ وَالسَّلِسُ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُصَرِّحَ بِمُسَاوَاتِهِمَا فِي الْحَشْوِ وَالْعَصْبِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ فِي الْكُلِّ (قَوْلُهُ: لَمْ يَضُرَّ) أَيْ: وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ (قَوْلُهُ: وَيَنْوِيَانِ إلَخْ) حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُتَيَمِّمِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرُوهُ فِيهِ وَيَلْزَمُهَا أَيْضًا تَجْدِيدُ الِاحْتِيَاطِ لِكُلِّ فَرْضٍ وَإِنْ لَمْ تُزِلْ الْعِصَابَةَ عَنْ مَحَلِّهَا وَلَا ظَهَرَ الدَّمُ بِجَوَانِبِهَا.