أَيْضًا مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ لَهُ فَعَلْت كَذَا حَرَامًا أَيْ كَأَكْلِ الرِّبَا مَثَلًا فَقَالَ لَهَا إلَّا فَعَلْت حَرَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِالْحَرَامِ أَكْلَ الرِّبَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ ذِكْرِهَا لَهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ غَيْرَهُ فَحَمَلْنَا إطْلَاقَهُ الْحَرَامَ الشَّامِلَ لِلرِّبَا وَغَيْرِهِ عَلَى الرِّبَا فَقَطْ عَمَلًا بِالْقَرِينَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَا ذَكَرْته أَيْضًا أَنَّ الْأَئِمَّةَ قَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَغْتَسِلُ أَنَّهُ يَقَعُ بِالْغُسْلِ مِنْ جَنَابَةٍ وَغَيْرِهَا فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَقَطْ دُيِّنَ وَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ.
أَمَّا إذَا كَانَتْ قَرِينَةٌ كَمَا لَوْ رَاوَدَهَا فَامْتَنَعَتْ لِغَصْبٍ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا قَوْلُهُ أَرَدْت الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّهُ عَيْنُ مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أَغْتَسِلُ يَعُمُّ كُلَّ غُسْلٍ فَإِذَا خَصَّصَهُ بِبَعْضِ الْأَغْسَالِ فَقَدْ عَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ الْعُمُومُ إلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ الْخُصُوصُ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِ لِذَلِكَ دُيِّنَ وَلَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِ لِذَلِكَ قُبِلَتْ مِنْهُ ظَاهِرًا أَيْضًا فَكَذَا مَسْأَلَتُنَا حَقِيقَةُ الْمَلْءِ فِيهَا مَعْرُوفَةٌ فَإِنْ أَرَادَ بَعْضَ الْمَلْءِ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِ دُيِّنَ وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ إنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا تَحْكِيمًا لِلْقَرِينَةِ، وَالْوَاقِعُ فِي السُّؤَالِ كَمَا عَرَفْت أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهَا، أَوْ مِنْ وَكِيلِهَا قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ فِي الْبَيْتِ فَحَلِفُهُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ إنَّمَا يُرَادُ بِهَا تَكْذِيبُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ.
وَتَكْذِيبُهُ يَحْصُل بِوُجُودِ بَعْضِ طَعَامٍ فِي الْبَيْتِ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَرِينَةَ مُرْبِحَةٌ لِلْمَجَازِ هُنَا عَلَى الْحَقِيقَةِ فَعَمِلْنَا بِهَا بِعَيْنِ مَا قَالُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي هِيَ نَظَائِرُ مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ بَلْ عَيْنُهَا كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرَهُمَا صَرَّحُوا بِمَا قُلْته مِنْ الضَّابِطِ الصَّرِيحِ فِي مَسْأَلَتِنَا حَيْثُ قَالُوا لَوْ خَصَّصَ عَامًّا بِالنِّيَّةِ كَأَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ دُيِّنَ وَإِنْ كَانَتْ تُشْعِرُ بِإِرَادَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ، أَوْ عَدَمِ الطَّلَاقِ بِالْكُلِّيَّةِ قُبِلَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَمِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ تَقُولَ لَهُ الْمُسْتَثْنَاةُ وَهِيَ تُخَاصِمُهُ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَيَقُولُ لَهَا عَقِبَ ذَلِكَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَيَقُولُ أَرَدْت غَيْرَ الْمُخَاصَمَةِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا قَالُوا لِقُوَّةِ إرَادَتِهِ بِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ وَمِثَالُ الثَّانِيَةِ مَا إذَا قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي طَالِقٌ طَلَاقَهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَثَاقِ قُبِلَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَالُوا وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِأَكْلِ خُبْزٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِنَوْعٍ خَاصٍّ فَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا إلَّا بِقَرِينَةٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ أَنَّهُ قَالَ مَتَى سَافَرْت إلَى سِوَاكُنَّ وَلِفُلَانٍ عِنْدِي فِلْسٌ وَاحِدٌ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ سَافَرَ لِسِوَاكُنَّ وَدَرَاهِمُ فُلَانٍ كُلُّهَا عِنْدَهُ فَلَمَّا حَضَرَ طَلَبَهُ أَبُو الزَّوْجَةِ هُوَ وَالشُّهُودُ فَحَضَرُوا عِنْدَ مُفْتٍ شَافِعِيٍّ لِيَسْتَفْتِيَهُ عَمَّا وَقَعَ لَهُ فَأَخْبَرَ الشُّهُودُ الْمُفْتِيَ بِأَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ الْيَمِينُ الْمَذْكُورَةُ فَاعْتَرَفَ بِالسَّفَرِ وَقَالَ لَهُ الْمُفْتِي وَقَعَ عَلَيْك الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَحَلَفَ الْأَيْمَانَ الْأَكِيدَةَ الْغَلِيظَةَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ هَذَا التَّعْلِيقُ أَصْلًا وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الشُّهُودَ كَاذِبُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْمُفْتِي لَا يُقْبَلُ مِنْك ذَلِكَ فَقَالَ عِنْدِي مَطْعَنٌ فِي الشُّهُودِ فَخَرَجَ لِيَأْتِيَ بِهِ ثُمَّ عَادَ وَقَالَ عَجَزْت عَنْ إبْدَاءِ الْمَطْعَنِ وَحَلَفَ الْأَيْمَانَ أَيْضًا أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ عَلَيْهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ فَقَالَ لَهُ الْمُفْتِي لَا يَنْفَعُك ذَلِكَ وَإِيَّاكَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي حَلَفْت مِنْهَا فَإِنَّك إلَّا فَعَلْت ذَلِكَ رَفَعْنَا أَمَرَك إلَى الْقَاضِي فَاعْتَزَلَهَا ثُمَّ جَاءَ هُوَ وَأَبُوهَا إلَى الْمُفْتِي ثَانِيًا وَأَعْطَى أَبَاهَا دَرَاهِمَ وَتَوَافَقَا عَلَى أَنْ تَتَحَلَّلَ لَهُ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَحَلَفَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَيْضًا أَنَّ الشُّهُودَ كَاذِبُونَ عَلَيْهِ وَاسْتَمَرَّ مُدَّةً كُلَّ مَا اجْتَمَعَ بِالْمُفْتِي يَحْلِفُ لَهُ كَذَلِكَ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ لَا يَنْفَعُك ذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَدَّعِيَ النِّسْيَانَ وَكَتَبَ لَهُ سُؤَالًا مُمَوَّهًا وَرَفَعَهُ لِمُفْتٍ شَافِعِيٍّ فَكَتَبَ لَهُ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ النِّسْيَانُ ثُمَّ سُئِلَ ذَلِكَ الْحَالِفُ بَعْدَ إفْتَاءِ الْمُفْتِي لَهُ بِمَا ذَكَرَ هَلْ حَلَفْت وَنَسِيت فَحَلَفَ الْأَيْمَانَ الْمُغَلَّظَةَ أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ وَأَنَّ الشُّهُودَ يَكْذِبُونَ عَلَيْهِ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَتَصْمِيمِهِ عَلَى تَكْذِيبِ الشُّهُودِ دَعْوَى النِّسْيَانِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ أَوْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ