ذَاكِرِينَ النَّقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ.
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: لَا تُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى النِّسْيَانِ فِيمَا ذَكَرَ فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْمُتَأَخِّرِينَ الشِّهَابُ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَوَسُّطِهِ الَّذِي هُوَ أَجَلُّ كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ تَحْقِيقًا وَتَحْرِيرًا لِلْقَوْلِ فَقَدْ بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ مَحَلَّ قَبُولِ دَعْوَى نَحْوِ النِّسْيَانِ حَيْثُ لَا يَكْذِبَ الشُّهُودُ وَإِلَّا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَرَدَّ بِذَلِكَ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِ مَعَهُ فِي رَدِّ غَالِبِ اعْتِرَاضَاتِهِ عَلَى الشَّيْخَيْنِ إطْلَاقَهُ اعْتِرَاضًا عَلَيْهِمَا قَبُولَ دَعْوَى مَا ذُكِرَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ هُوَ الْحَقُّ وَلَا يَسَعُ الْإِسْنَوِيَّ وَلَا غَيْرَهُ مُخَالَفَتُهُ لِظُهُورِهِ وَاتِّضَاحِهِ.
وَمِنْ ثَمَّ أَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُطْلِقِينَ بِقَوْلِ الْقَفَّالِ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لَوْ قَالَ إلَّا لَمْ أَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ كَانَ بِالْكُوفَةِ يَوْمَ الْأَضْحَى وَقَالَ هُوَ قَدْ حَجَجْت وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ قَالَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا عَدَلَ عَنْ دَعْوَى النِّسْيَانِ إلَى دَعْوَى الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَقْتَضِي تَكْذِيبَهُ حَكَمَنَا عَلَيْهِ بِمُقْتَضَاهَا. اهـ.
وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْعَامِّيِّ دَعْوَى النِّسْيَانِ، أَوْ نَحْوِهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي السُّؤَالِ فَهُوَ غَالِبًا إنَّمَا يَنْشَأُ عَنْ التَّهَوُّرِ وَقِلَّةِ الدِّينَ قَصْدًا لِنَيْلِ شَيْءٍ مِنْ سُحْتِ الدُّنْيَا وَمَا دَرَى ذَلِكَ الْمُعَلِّمُ الْجَاهِلُ الْمَغْرُورُ أَنَّهُ ارْتَكَبَ مَفَاسِدَ إثْمُهَا عَظِيمٌ وَبَالُهَا وَخِيمٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ إلَّا تَسْلِيطُهُ الْعَامَّةِ الْجَهَلَةِ، أَوْ الْفَسَقَةِ عَلَى اسْتِبَاحَةِ الْأَبْضَاعِ بِالْبَاطِلِ مَعَ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَزِيدِ الِاحْتِيَاطِ وَالْحُرْمَةِ وَلِخَطَرِ أَمْرِهَا وَصُعُوبَةِ عَاقِبَتِهَا امْتَنَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إفْتَاءِ مُدَّعِي النِّسْيَانَ قَالُوا: وَاسْتِعْمَالُ التَّوَقِّي أَوْلَى مِنْ فَرَطَاتِ الْأَقْدَامِ وَمَنْ يَحْتَاطُ لِدِينِهِ لَا يُفْتِي فِي ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْكَذِبِ فِي دَعْوَى النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ مِنْ الْعَامَّةِ. اهـ.
وَإِذَا كَانَ هَذَا ذَكَرُوهُ عَنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ الَّذِي مَضَى مِنْ نَحْوِ سِتِّمِائَةِ سَنَةٍ فَمَا بَالُك بِزَمَانِنَا الَّذِي صَارَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ لَا خِلَافَ لَهُمْ وَلَا مَسْكَةَ وَلَقَدْ اسْتَفْتَانِي مَنْ لَا أُحْصِي فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَيَنْهَوْنَ إلَيَّ فِيهِ شَيْئًا فَأَمْتَنِعُ مِنْ إفْتَائِهِمْ حَتَّى أَبْحَثَ عَنْ الْقَضِيَّةِ فَأَجِدُهَا عَلَى خِلَافِ مَا حَكَوْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَأَجِدُ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا أَنَّ بَعْضَ فَسَقَةِ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ هُمْ الْحَامِلُونَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْ الْحَالِفِ نَارًا عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيُعَلِّمُونَهُ، أَوْ يَكْتُبُونَ لَهُ صُورَةً مُخَالِفَةً لِلْوَاقِعِ وَيُرْسِلُونَ بِهَا إلَيَّ لِلِاسْتِفْتَاءِ عَنْهَا فَيُلْهِمُنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ التَّشَكُّكَ فِيهَا وَالْبَحْثَ الشَّدِيدَ عَنْهَا حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّهَا عَلَى الْبَاطِلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَسْئُولُ أَنْ يُعَامِلَ بِعَدْلِهِ وَعُقُوبَتِهِ أُولَئِكَ الْفَسَقَةَ الْمَارِقِينَ وَالْمَرَدَةَ الضَّالِّينَ هَذَا وَمِمَّا يَحْمِلُك عَلَى التَّحَرِّي فِي الْإِفْتَاءِ فِي مَسَائِلِ النِّسْيَانِ وَنَحْوِهِ أَنَّ عَدَمَ وُقُوعِ طَلَاقِ النَّاسِي لَوْ فُرِضَ صِدْقُهُ إنَّمَا هُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ جَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إلَّا أَنَّ لَهُ قَوْلًا آخَرَ بِوُقُوعِ طَلَاقِ النَّاسِي وَعَلَيْهِ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُلَقَّبُ بِسُلْطَانِ الْعُلَمَاءِ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَنَاهِيك بِهِمَا فَإِنَّهُ مَا مِنْ فُحُولِ الْمُتَأَخِّرِينَ يُفْتِيَانِ بِوُقُوعِ طَلَاقِ النَّاسِي وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَكَيْفَ لَا وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَنَفَعَنَا بِهِمْ وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ وَوَفَّقَنَا إلَى سُلُوكِ طَرِيقَتِهِمْ الْمُثْلَى الْمُطَهَّرَةِ عَنْ قَبَائِحِ الزَّلَلِ وَمَفَاسِدِ الشُّبَهِ وَالْخَبَلِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ فَأَقَرَّ فِي حَالِ مَرَضِهِ عِنْدَ شَخْصٍ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَبَقِيَتْ الْمَرْأَةُ حَتَّى مَاتَ فَأَخْبَرَهَا الْمُقَرُّ عِنْدَهُ بِالْإِقْرَارِ وَصَدَّقَتْهُ فَهَلْ تَرِثُهُ وَلَا تَحْسِبُ الْعِدَّةَ إلَّا مِنْ الْمَوْتِ لِمُعَاشَرَتِهَا لَهُ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْ الْإِقْرَارِ أَوْ مِنْ قَبْلِ الْإِقْرَارِ بِزَمَنٍ يَسَعُ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ أَوْ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا مَضَى مِنْ قُبَيْلِ إقْرَارِهِ مَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ تَرِثْهُ إنْ قُلْنَا: إنَّ مُعَاشَرَةَ الرَّجْعِيَّةِ تَقْطَعُ الْعِدَّةَ لِغَيْرِ نَحْوُ الرَّجْعَةِ كَمَا عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَفِي شَرْحِي الصَّغِيرِ عَلَى الْإِرْشَادِ وَأَلْحَقَ الْبُلْقِينِيُّ بِعَدَمِ جَوَازِ الرَّجْعَةِ أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مَعَ الْمُعَاشَرَةِ عَدَمَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَقَضِيَّتُهُ امْتِنَاعُ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ