عَلَيْهَا لِتَغَايُرِ ذَاتَيْ الْمِثْلَيْنِ وَإِنْ اتَّحَدَا فِي الصِّفَاتِ، أَوْ فِي بَعْضِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَأَنَّ مُمَاثَلَتَهَا لِغَيْرِهَا إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ إيقَاعُهُ الطَّلَاقَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْمُخَاطَبَةِ بِطَرِيقِ الصَّرِيحِ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ طَلَاقَهُ لِغَيْرِ زَوْجَتِهِ لَغْوٌ فَكَيْف يُشْرِكُهَا مَعَهَا فِيهِ وَهُوَ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَقَالَ آخَرُ لِزَوْجَتِهِ أَشْرَكْتُك مَعَهَا كَانَ ذَلِكَ كِنَايَةً؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَوْقَعْته عَلَيْك كَمَا أَوْقَعَهُ ذَاكَ عَلَى زَوْجَتِهِ فَكَذَا هُنَا مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ كَمَا كُلُّ مَنْ هُوَ مِثْلُك طَالِقٌ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَسُّفِ وَأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَحْتَمِلَ الطَّلَاقَ احْتِمَالًا خَالِيًا عَنْ تَكْلِيفٍ وَتَعَسُّفٍ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا هُنَا أَنَّهُ كَقَوْلِهِ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ، أَوْ الزَّيْدِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي. وَلَا طَلَاقَ بِهَذَا وَإِنْ نَوَاهُ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ فَكَذَا هَذَا قَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى مُمَاثِلَتِهَا بِالصَّرِيحِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَوُقُوعُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَالْمَعْطُوفِ عَلَى الْبَاطِلِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُقْتَضِيَ لِلْإِيقَاعِ مُخْتَلِفٌ وَبَيْنَهُمَا تَرَتُّبٌ فَلَمْ يُمْكِنُ بِنَاءُ الْمَعْطُوفِ عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِبُطْلَانِهِ بِخِلَافِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْإِيقَاعِ لَفْظٌ وَاحِدٌ.
وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ بِالرُّتْبَةِ بَلْ وَبِالزَّمَانِ عِنْدَ قَوْمٍ فَلَا يَبْعُدُ الْقِيَاسُ فَإِنْ قُلْت قَدْ يُعَبِّرُ الْبُلَغَاءُ بِالْمِثْلِ وَلَا يُرِيدُونَ حَقِيقَتَهُ كَمَا فِي نَحْوِ: مِثْلُك لَا يَبْخَلُ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ إلَّا أَنْتَ لَا تَبْخَلُ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمَثَلِ لِيُفِيدَ نَفْيَ الْبُخْلِ عَنْهُ بِطَرِيقٍ أَظْهَرَ قُلْت هَذَا الِاعْتِبَارُ الْمُحَسَّنُ لَا يَأْتِي هُنَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ مِثْلُك طَالِقٌ حَيْثُ جَعَلَ الْمِثْلَ صِفَةً لِغَيْرِهَا صَرِيحًا فَلَمْ تُمْكِنْ إرَادَتُهَا مِنْ هَذَا التَّرْكِيبِ؛ لِأَنَّك لَوْ أَرَدْت أَنْ تُعَبِّرَ عَنْهُ بِأَنْتِ طَالِقٌ لَكَانَ تَأْوِيلًا بَعِيدًا وَحَمْلًا مُتَعَسِّفًا وَالْمُحَسِّنُ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي مِثْلُك لَا يَبْخَلُ الدَّاعِي إلَيْهِ قَصْدُ الْمَدْحِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ لَا يَأْتِي هُنَا إلَّا بِتَكَلُّفٍ بَعِيدٍ، فَلَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهُ كِنَايَةً لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّهَا مَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ احْتِمَالًا قَرِيبًا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته فَتَأَمَّلْهُ. وَلَا يَأْتِي هُنَا الْوُقُوعُ الَّذِي قِيلَ بِهِ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ غَيْرُك طَالِقٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يَأْتِي هُنَا وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَقْدٍ وَرَدٍّ وَتَنَاقُضٍ وَاخْتِلَافٍ وَقَدْ بَيَّنْتُ خُلَاصَتَهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ ثُمَّ رَأَيْت مَا يُؤَيِّدُ مَا مِلْت إلَيْهِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ كِنَايَةٍ وَهُوَ أَنَّ جَمْعًا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي أَنْتِ أَوْلَى النِّسَاءِ بِنَفْسِك، أَوْ وَلِيَّةُ النِّسَاءِ بِنَفْسِك فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ لِتَضَمُّنِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَهُوَ كِنَايَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ عُرْفَ الْعَامَّةِ كَلَا عُرْفٍ وَلَوْ قَالَ الطَّلَاقُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا قَالَ الْقَفَّالُ: هُوَ لَغْوٌ وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ كِنَايَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضَافَةٌ إلَى الْمَرْأَةِ وَلَا الْتِزَامٌ مِنْ الزَّوْجِ وَأَفْتَى الْعِجْلِيّ بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فَإِذَا قَالَ مَنْ ذَكَرَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْكِنَايَاتِ فَكَذَا مَسْأَلَتُنَا بَلْ قَوْلُ الْقَفَّالِ تَعْلِيلًا لِعَدَمِ الْكِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضَافَةٌ إلَى الْمَرْأَةِ. . . إلَخْ نَصٌّ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: كُلُّ امْرَأَةٍ مِثْلُك طَالِقٌ لَيْسَ فِيهِ إضَافَةٌ إلَى زَوْجَتِهِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفَ مَرَّةٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا هَلْ تَطْلُقُ وَاحِدَةً كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ وَعَنْ نَفَائِسِ الْأَزْرَقِ وَذَكَر أَنَّ شَارِحَ الرَّوْضِ أَقَرَّ الرَّوْضَ كَأَصْلِهِ عَلَى ذَلِكَ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الرَّوْضِ وَأَصْلِهِ يُفْهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ فَمَا الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ غَلَطٌ صَرِيحٌ إمَّا لِسِقَمٍ فِي نَقْلِهِ، أَوْ فَهْمِهِ، أَوْ نُسْخَتِهِ فَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَلْفَ مَرَّةٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةً كَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي هَذِهِ عِبَارَتُهُ وَجَرَى عَلَيْهَا الرَّوْضُ وَشَارِحُهُ وَاَلَّذِي فِي النَّفَائِسِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَلْفَ مَرَّةٍ وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةً قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَهَذِهِ الصُّورَةُ غَيْرُ صُورَةِ السُّؤَالِ فَالْتِبَاسُهَا بِهَا يُنْبِئُ عَنْ مَزِيدِ غَفْلَةٍ وَتَسَاهُلٍ، أَوْ عَنْ فَسَادِ تَصَوُّرٍ وَوَجْهُ وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ فَقَطْ فِيهَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ وَاحِدَةً لَمْ يُؤَثِّرْ قَوْلُهُ بَعْدَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ كَذَا لَوْ قَالُوهُ لَكِنْ اسْتَشْكَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ طَلُقَتْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ تَمَّ بِطَلْقَةٍ وَمَا بَعْدَهُ غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ الْإِشْكَالِ فِي هَذِهِ