كَتِلْكَ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يُقَالُ إنَّ أَلْفَ مَرَّةٍ وَثَلَاثَ طَلْقَاتٍ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا - جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ} [مريم: 60 - 61] قُلْتُ كَأَنَّهُمْ لَحَظُوا فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي الْآيَةِ فِي قُوَّةِ الْجَمْعِ لِكَوْنِهِ مُحَلًّى بِأَلْ فَحَسُنَ إبْدَالُ الْجَمْعِ مِنْهُ وَهُنَا لَيْسَ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ مَا يُقَرِّبُهُ مِنْ الْجَمْعِ فَلَمْ يَحْسُنْ إبْدَالُهُ مِنْهُ ثُمَّ هَذَا الْإِيرَادُ وَإِنْ تَوَجَّهَ فِي مَسْأَلَةِ النَّصِّ لَا يَتَوَجَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ التَّنَافِيَ فِيهَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَأَلْفٍ أَتَمُّ وَأَظْهَرُ مِنْهُ بَيْنَ طَلْقَةٍ وَثَلَاثٍ، فَإِذَا أَلْغَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّظَرَ إلَى ثَلَاثٍ فِي مَسْأَلَةٍ فَأَوْلَى أَنْ يُلْغِيَ النَّظَرَ إلَى أَلْفٍ فِي مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي، وَالْكَلَامُ قَدْ تَمَّ بِوَاحِدَةٍ فَلَا نَظَرَ لِمَا بَعْدَهَا لِمُنَافَاتِهِ لَهَا كَمَا تَقَرَّرَ.

هَذَا كُلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ وَالرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَالنَّفَائِسِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السُّؤَالِ الَّتِي نَقَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ هَذِهِ الْكُتُبِ غَلَطًا وَتَحْرِيفًا فَالصَّوَابُ فِيهَا وُقُوعُ الثَّلَاثِ وَلَا شُبْهَةَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَسْكَةٍ مِنْ فَهْمٍ، أَوْ تَصَوُّرٍ، نَعَمْ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلُ أَلْفٍ، أَوْ مِثْلُ الْأَلْفِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْأُولَى وَوَاحِدَةً فِي الثَّانِيَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْعَبَّادِيُّ عَنْ الْكَرَابِيسِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقِيَاسُ الْعَمْدِ فِي أَنْتِ كَمِائَةِ طَلْقَةٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ فِي مَسْأَلَتَيْ الْعَبَّادِيِّ عَنْ الْكَرَابِيسِيِّ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ وَالْمُنَكَّرِ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وُقُوعَ الثَّلَاثِ فِي أَنْتِ كَمِائَةِ طَالِقٍ لِوُقُوعِ التَّشْبِيهِ فِي الْعَدَدِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ لَيْسَ نَصًّا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَمِائَةِ طَالِقٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَبَّهَهَا بِهِنَّ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَفْرَادِهِنَّ، أَوْ فِي عَدَدِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِنَّ وَإِذَا احْتَمَلَ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا عَامَلْنَاهُ بِالْأَقَلِّ تَمَسُّكًا بِأَصْلِ بَقَاءِ الْعِصْمَةِ كَمَا تَمَسَّكُوا بِهِ فِي مَسَائِلَ لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دِرَايَةٌ بِكَلَامِهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ وَاقِعَةِ حَالٍ مُهِمَّةٍ هِيَ شَخْصٌ ذُكِرَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ مَثَلًا وَأُهْدُوا هَدَايَا لِلْأَصْحَابِ وَلَمْ يُعْطُوهُ شَيْئًا أَوْ أَعْطَوْهُ شَيْئًا اسْتَقَلَّهُ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَطَلَّقْت أَوْ فَقَدْ طَلَّقْت النَّاسَ كُلَّهُمْ ثَلَاثًا بِمَعْنَى أَنِّي قَطَعْت طَمَعِي عَنْهُمْ كُلِّهِمْ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ قَصْدُ الطَّلَاقِ الشَّرْعِيِّ وَلَا مَعْنَاهُ وَلَمْ يَقْصِدْ زَوْجَتَهُ حَالَ تَلَفُّظِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَهَلْ تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ لَفْظِهِ الصَّرِيحِ أَمْ لَا وَهَلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَسْأَلَةِ الْوَاعِظِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي الرَّاجِحُ فِيهَا عَدَمُ الْوُقُوعِ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ وَأَوْضِحُوا إيضَاحًا شَافِيًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ بَيَّنْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إلَّا إنْ أَرَادَهَا فَإِذَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِي هَذِهِ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالنِّسَاءِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَقَعَ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَلَا تَتَخَرَّجُ هَذِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَاعِظِ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ الْجَمْعَ الَّذِينَ فِيهِمْ امْرَأَتُهُ بِقَوْلِهِ: طَلَّقْتُكُمْ فَفِيهِ خِطَابٌ لِلْمَرْأَةِ مَعَهُمْ، لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْصِدْ حَقِيقَةَ الطَّلَاقِ الشَّرْعِيِّ مَعَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِعَدَمِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَأَمَّا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَلَفَّظَ بِقَوْلِهِ طَلَّقْت النَّاسَ كُلَّهُمْ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا أَثَرَ لَهَا فِي تَنَاوُلِ زَوْجَتِهِ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ: نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَهَا عَلَى مَنْ لَا تَطْلُقُ بَلْ لَوْ قَالَ مَنْ اسْمُهُ زَيْدٌ نِسَاءُ الزَّيْدِينَ طَوَالِقُ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ، وَقَوْلُ الرُّويَانِيِّ تَطْلُقُ إنَّمَا يَأْتِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَمُولِيُّ عَلَى ضَعِيفٍ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: امْرَأَةُ الزَّيْدِينَ طَالِقٌ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ لَكِنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمْ أُرِدْ نَفْسِي؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ التَّعْرِيفِ عَلَى دُخُولِهِ فِي لَفْظِهِ لَا تُقَاوِمُ إرَادَتَهُ صَرْفَ لَفْظِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَفِي الرَّوْضَةِ وَجْهَانِ عَنْ الْقَفَّالِ فِيمَا لَوْ قَالَ مَنْ عُزِلَ عَنْ الْقَضَاءِ امْرَأَةُ الْقَاضِي طَالِقٌ.

وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ مِنْهُمَا عَدَمُ الطَّلَاقِ كَمَا بَيَّنْتُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَبِهَذَا كُلِّهِ بَانَ أَنَّ صُورَةَ السُّؤَالِ لَا يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَاعِظِ فَلَا يَقَعُ فِيهَا طَلَاقٌ وَإِنْ قُلْنَا بِوُقُوعِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَاعِظِ لِمَا عَلِمْتَهُ مِمَّا تَقَرَّرَ.

(وَسُئِلَ) عَنْ أَمَةٍ غَرَّتْ بِزَوْجِهَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ لَهَا فِي بَذْلِ مَهْرِهَا فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْوُقُوعِ فَهَلْ هُوَ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيٌّ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهَا تَتَبُّعٌ بِهِ إذَا عَتَقَتْ وَقَدْ ذَكَرْت فِي اخْتِصَارِي لِتَحْرِيرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015