مَا تَقَرَّرَ عَنْ الْعَبَّادِيِّ مَعَ نَقْلِ الْأَئِمَّةِ كَمَا فِي التَّوَسُّطِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ خِلَافَهُ، وَلَفْظُهُمْ: قَالَ فِي الْأُمِّ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا وَقَعَ طَلْقَةٌ.
وَسُئِلَ عَنْ مُرَادِهِ بِقَوْلِهِ طَالِقًا فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بِهِ الْحَالَ طَلُقَتْ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ الْحَالَ فِي مَعْنَى الصِّفَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ تَقَدُّمِ طَلْقَةٍ عَلَيْك وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ طَلْقَةً أُخْرَى وَقَعَتْ ثَانِيَةً أَيْضًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ التَّأْكِيدَ وَإِفْهَامَ الْأُولَى قُبِلَ مِنْهُ. قَالَ: وَحَلَّفْته وَإِنَّمَا قُلْنَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ، وَتَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ خِلَافُهُ قَالَ فِي التَّوَسُّطِ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَقَوْلُهُ حَلَّفْته يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ يَقَعُ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّهُ يُحَلِّفُهُ عَلَى إرَادَتِهِ وَاحِدَةً فَلَوْلَا أَنَّ مُطْلَقَهُ يَقْتَضِي طَلْقَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِتَحْلِيفِهِ وَجْهٌ هَذَا لَفْظُهُ وَقَدْ يَكُونُ تَحْلِيفُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَا يَقْتَضِي وُقُوعَ طَلْقَتَيْنِ لَا أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي وُقُوعَهُمَا وَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ عَلَى ذَلِكَ حِسْبَةً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ. اهـ كَلَامُ التَّوَسُّطِ وَتَبِعَهُ فِي الْخَادِمِ.
فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ إذَا صِرْت مُطَلَّقَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ طَالِقًا حَالٌ وَالْحَالُ تَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إنْ أَعْتَقْت نِصْفَك فَنَصِيبِي حُرٌّ حَالَ عِتْقِك فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِمَا وَحِكَايَةُ هَذَا الْفَرْعِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ مَنَاصِيصِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَجِيبٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ نَصَّ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ فِي الْأُمِّ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا طَلُقَتْ أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحَالَ صِفَةً يَقَعُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِهَا وَالْحَالُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَقَعَتْ أُخْرَى قَالَ: يَعْنِي الشَّافِعِيَّ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي طَالِقًا طَلْقَةً أُخْرَى طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةً بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَلْقَةً أُخْرَى بِمَا نَوَاهُ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِالثَّانِيَةِ أَنَّهَا الْأُولَى تَأْكِيدًا لَهَا حَلَّفْته قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا طَلْقَتَانِ طَلْقَةً بِالْمُبَاشَرَةِ وَأُخْرَى بِالصِّفَةِ. اهـ.
وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ جَرَى جَمْعٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَمِنْ الْمَرَاوِزَةِ كَالْإِمَامِ وَغَيْرِهِ وَظَهَرَ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَى الْعَبَّادِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا عِنْدَ إرَادَةِ الْحَالِ وَالثَّانِي عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ثُمَّ سَاقَ كَلَامًا بَيَّنَ بِهِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَا يَتَقَيَّدَانِ بِنَصِّ الْأُمِّ وَلَا بِغَيْرِهِ بَلْ بِمَا اتَّضَحَ مَدْرَكُهُ وَإِنْ خَالَفَ النَّصَّ؛ لِأَنَّهُ كَمَا بَيَّنْته بِشَوَاهِدِهِ فِي شَرْحِ خُطْبَةِ الْعُبَابِ بَلْ وَفِي الْفَتَاوَى بِأَبْسَطَ مِنْ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَا طَيْبَةَ الْمُشَرَّفَةَ سَنَةَ خَمْسِينَ فَرَفَعَ فُضَلَاؤُهَا سُؤَالًا فِيهِ طَلَبُ وَجْهِ الْعُدُولِ عَنْ اعْتِرَاضَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَيْهِمَا بِالنَّصِّ وَكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُسْمَعُ لَهُمْ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ نَصٍّ لَهُ آخَرَ، أَوْ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِهِ فَكَانَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ رَجَّحَا مِنْهُمَا مَا اتَّضَحَ مَدْرَكُهُ وَهُنَا كَذَلِكَ، إذْ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته فِي التَّهْذِيبِ الْمُصَرِّحِ بِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْحَالَ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَعَنْ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي.
وَعَنْ الْعَبَّادِيِّ رَجَّحَ الشَّيْخَانِ مِنْهَا كَلَامَ الْعَبَّادِيِّ لِظُهُورِهِ وَجَرَيَانِهِ عَلَى الْقَوَاعِدِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْحَالِ أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً لِعَامِلِهَا فَإِذَا رَاعَيْنَا هَذَا الْأَصْلَ تَعَيَّنَ مَا ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ وَلَا يُنَافِي هَذَا كَوْنَهَا فِي مَعْنَى الصِّفَةِ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ قَيْدٌ فِي الْمَعْنَى أَيْضًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا فِي مَعْنَى الصِّفَةِ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ تَقَدُّمِ طَلْقَةٍ عَلَيْك عَلَى أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ لَا يَقْتَضِي إنْشَاءَ إيقَاعِ طَلْقَةٍ بَلْ الْإِخْبَارُ بِوُقُوعِهَا فَلْيُجْرَ فِيهِ بِفَرْضِ اعْتِمَادِهِ مَا قَالُوهُ فِي نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ إنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا أَمْسِ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي عَقْدٍ آخَرَ وَأَنَّ زَوْجًا آخَرَ قَبْلَهُ طَلَّقَهَا إنْ عُرِفَ ذَلِكَ وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْرَفْ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ اعْتِرَاضًا عَلَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ إنَّ الْحَالَ تَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ فَعَجِيبٌ؛ لِأَنَّ اقْتِضَاءَهَا الْمُقَارَنَةَ يُؤَيِّدُ مَا قَالَاهُ لَا أَنَّهُ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اقْتَضَاهَا مَعَ كَوْنِهِ قَيْدًا كَمَا تَقَرَّرَ اقْتَضَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَالًا كَمَا قَالَاهُ بَلْ إنْ طَلَّقَ وَقَوْلُهُ وَيَصِيرُ. . . إلَخْ، أَعْجَبُ وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرًا لِمَسْأَلَتِنَا بِوَجْهٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ حُرِّيَّةَ نَصِيبِهِ عَلَى عِتْقِ شَرِيكِهِ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ وَجَعَلَ وُقُوعَهَا