فِي كَيْفِيَّةِ الْوُقُوعِ خِلَافَ مَا اشْتَهَرَ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرِينَ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ وَبَيَّنْت فِيهِ أَيْضًا أَنَّ التَّقْلِيدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُسُوقٌ وَأَنَّ مَنْ حَكَمَ فِيهَا بِعَدَمِ الْوُقُوعِ يُنْقَضُ حُكْمُهُ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُلْغِيًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّا وَإِنْ تَحَقَّقْنَا إلْغَاءَهُ نَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَكَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَيْضًا وَأَمَّا مَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ مِنْ قَبُولِهِ إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ، أَوْ صَدَّقَتْهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ وَلَقَدْ أَصَابَ الْمُجِيبُ الثَّانِي فِيمَا ذَكَرَهُ فَهُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِوَلَدِهِ إلَّا قُلْت فِي بَيْتِي تَكُنْ أُمُّك طَالِقًا فَقَالَ بَعْضَ الْيَوْمِ فَهَلْ يَحْنَثُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقِيلَ أَكْثَرَ الْيَوْمِ وَمَا الْمُرَادُ بِالْقَيْلُولَةِ؟
(فَأَجَابَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا لَفْظُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ الْقَيْلُولَةُ فِي اللُّغَةِ النَّوْمُ نِصْفَ النَّهَارِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُعْمَلُ فِيهَا بِالضَّعِيفِ. اهـ لَفْظُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْقَيْلُولَةَ هِيَ النَّوْمُ نِصْفَ النَّهَارِ، وَالْمُرَادُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ نِصْفُهُ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا وَهُوَ قُبَيْلَ الظُّهْرِ فَمَتَى نَامَ الْوَلَدُ فِي بَيْتِ أَبِيهِ قُبَيْلَ الظُّهْرِ فِي يَوْمِ الْحَلِفِ، أَوْ غَيْرِهِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا نَعَمْ إنْ نَوَى بِالْقَيْلُولَةِ وَقْتًا آخَرَ أُدِيرَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ رُوحِي أَيْ اذْهَبِي طَالِقًا بِالنَّصْبِ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا؟ فَإِنَّ عُلَمَاءَ مِصْرَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَقَعُ وَاسْتَنَدَ لِفَرْعٍ فِي الرَّوْضَةِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ: يَقَعُ وَأَوَّلَ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ، وَبَعْضُهُمْ مَالَ إلَى تَضْعِيفِ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ نَقَلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ خِلَافَهُ، وَبَعْضُهُمْ تَوَقَّفَ فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ رُوحِي كِنَايَةُ طَلَاقٍ كَاذْهَبِي فَإِنْ نَوَاهُ بِهِ جَاءَتْ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِيهِ الْآتِيَةُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِرُوحِي الطَّلَاقَ كَانَ بِمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فَلَزِمَ أَنْ يَجْرِي فِيهِ حُكْمُهُ الْآتِي وَهُوَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَدَمُ الْوُقُوعِ حَالًا بِأَنْ طَلَّقَهَا غَيْرَ بَائِنٍ وَقَعَتْ طَلْقَةً ثَانِيَةً وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ بِهِ لَمْ يَقَعْ بِطَلَاقِهِ شَيْءٌ لِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ بِرُوحِي طَلَاقًا يَصِيرُ لَغْوًا وَإِذَا صَارَ لَغْوًا صَارَ قَوْلُهُ طَالِقًا مُتَجَرِّدًا عَمَّا يُصَيِّرُهُ مُعْتَدًّا بِهِ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ نَظِيرَ قَوْلِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ إنَّمَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ بِنِسَاءِ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي، وَإِنْ قَالَ أَلْفَ مَرَّةٍ: وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَغْوٌ فَيَصِيرُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي وَحْدَهُ وَهُوَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ نَظِيرَ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ: طَلَّقْت، أَوْ طَالِقٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ فِي الْأَوَّلِ وَأَنْتِ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِلْمَرْأَةِ ذِكْرٌ وَلَا دَلَالَةٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ امْرَأَتِي وَنَوَى الطَّلَاقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ لَهُ طَلِّقْهَا فَقَالَ: طَلَّقْت فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمْ أُرِدْهَا؛ لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ ضِمْنًا وَاسْتَشْكَلَهُ الْعِجْلِيّ بِمَا لَوْ قَالَ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي فَإِنَّهُ صَرِيحٌ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِلْمَرْأَةِ ذِكْرٌ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ خَلَفَ ذِكْرَهَا فِيهِ اشْتِهَارُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الطَّلَاقِ كَعَلَيَّ الطَّلَاقُ، وَأَمَّا رُوحِي طَالِقًا فَإِنَّهُ فُقِدَ فِيهِ الْمَعْنَيَانِ ذِكْرُهَا وَالِاشْتِهَارُ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ وَنَظِيرُ قَوْلِ الْقَاضِي أَيْضًا.
لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ سَرَقْت مَالِي فَأَنْكَرَ فَقَالَ إلَّا كُنْت سَرَقْته فَامْرَأَتُك طَالِقٌ سَوَاءٌ أَزَادَ وَالنِّيَّةُ نِيَّتِي أَمْ لَا فَقَالَ طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَحْدَهُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَقُلْ امْرَأَتِي وَلِأَنَّ الْغَيْرَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ فِي النِّيَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ إجَازَةٌ لِلطَّلَاقِ وَلَيْسَ بِإِيقَاعٍ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ لَا سِيَّمَا تَعْلِيلُهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي صُورَتِنَا فَإِنْ قُلْت أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ فِي طَلِّقْهَا فَقَالَ طَلَّقْت قُلْت يُفَرَّقُ بِأَنَّ ذِكْرَهَا هُنَا وَقَعَ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ طَلَبٌ لِطَلَاقِهَا حَتَّى يَنْزِلَ الْجَوَابُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ طَلِّقْهَا، نَعَمْ ذِكْرُهَا وَإِنْ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ يُفِيدُ تَأْثِيرَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ بِهِ بِخِلَافِ طَلَّقْت، أَوْ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ أَصْلًا وَمِنْهَا أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ قَيَّدَ قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ يَقَعُ بِهِ ثَلَاثٌ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّأْكِيدُ بِمَا