الْوُقُوعِ أَصْلًا فَغَيْرُ مُعْتَمَدٍ وَإِنْ رَجَّحَهُ كَثِيرُونَ وَانْتَصَرَ لَهُ جَمْعٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ نَاصِرِ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ: وَالْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ عَلَيْهَا وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا سَبَقَ عَنْ الْقَاضِي إبْرَاهِيمَ وَوَلَدِ وَلَدِهِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ وَمِنْهَا أَنَّ الشَّيْخَ نُورَ الدِّينِ الشَّرِيفَ السَّمْهُودِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ كُنْت وَكَّلْت فُلَانًا بِطَلَاقِهَا أَوْ كُنْت عَزَلْتهَا عَنْ فُلَانٍ أَوْ وَلَّيْتهَا فُلَانًا قَبْلَ هَذَا فَلَمْ يَقَعْ الثَّلَاثُ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) فَقَالَ: ذُكِرَ فِي الْعَزِيزِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ كُنْت حَرَّمْتهَا عَلَى نَفْسِي قَبْلَ هَذَا فَلَمْ يَقَعْ الثَّلَاثُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَهُوَ شَامِلٌ لِدَعْوَى سَبْقِ التَّحْرِيمِ بِوَاسِطَةِ وَكِيلِهِ فِيهِ بِخُلْعٍ وَنَحْوُهُ مَا فِي فَتَاوِي الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ وَلِيَّهَا كَانَ قَدْ وُكِّلَ بِتَزْوِيجِهَا مِنْهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَلَمْ يُزَوِّجْهَا الْوَكِيلُ إلَّا بِأَلْفٍ فَالْعَقْدُ لَمْ يَنْعَقِدْ فَالطَّلَاقُ لَمْ يَقَعْ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ وَحُكِمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ
قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى إبْطَالِ النِّكَاحِ بِالْمُخَالَفَةِ فِي أَصْلِ الصَّدَاقِ وَلَا يَخْتَصُّ مَا ذُكِرَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا بَلْ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ صُورَةٍ ادَّعَيَا فِيهَا الْفَسَادَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. جَوَابُهُ.
وَمِنْهَا سُئِلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ بِالثَّلَاثِ مَا يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ ثُمَّ كَانَ فَقِيلَ لَهُ حَنِثَ ثُمَّ قَالَ أَنَا مَلْغِيٌّ بِمَسْأَلَةِ الدَّوْرِ عَلَى مَحْضَرِ الْفَقِيهِ فُلَانٍ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ أَنَّهُ مَلْغِيٌّ أَمْ لَا يُقْبَلُ؟
(فَأَجَابَ) فَقَالَ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَعْمَلُ بِمَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا وَالْمُخْتَارُ الِاحْتِيَاطُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. إذْ لَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَادَّعَى كُلُّ مُطَلِّقٍ ثَلَاثًا أَرَادَ رَفْعَ الْعَارِ عَنْهُ بِتَحْلِيلِ زَوْجَتِهِ ثُمَّ تَجْدِيدِ نِكَاحِهَا أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ فَيَظْهَرُ الْفَسَادُ بِذَلِكَ لَا سِيَّمَا أَنَّ الشَّيْخَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذَكَرَا أَنَّ الرُّويَانِيَّ قَالَ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ تَصْحِيحَ الدَّوْرِ لَا وَجْهَ لِتَعْلِيمِ الْعَوَامّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ بَلْ عِبَارَةُ الشَّيْخِ نَاصِرٍ لَا يَحِلُّ تَعْلِيمُهَا لِلْعَامِّيِّ الَّذِي لَا يَشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي تَصْحِيحِ الدَّوْرِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا سَبَقَ عَنْ الْقَاضِي صَلَاحِ الدِّينِ بْنِ ظَهِيرَةَ مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ أَصْلًا غَيْرُ مُعْتَمَدٍ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ نَاصِرٍ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ - وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ: وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ فَظَهَرَ لَنَا مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا عَدَمُ قَبُولِ الزَّوْجِ فِي دَعْوَاهُ تَعْلِيقَ الدَّوْرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ.
وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ لَوْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ قَالَ كُنْت وَقَفْتهَا أَوْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ قَالَ كُنْت أَعْتَقْتُهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ فَهَلْ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ أَوْ الْجَوَابُ الثَّانِي وَنَقْلُ مَا ذُكِرَ مِنْ النَّظَائِرَ نَظِيرٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا أَوْ لَا أَوْضِحُوا لَنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِجَوَابٍ شَافٍ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا بَلْ هِيَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فِي بِلَادِنَا لِكَثْرَةِ طَلَاقِهِمْ، ثُمَّ ادِّعَائِهِمْ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَعْلِيقَ مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبُلْدَانِ بِادِّعَائِهِمْ ذَلِكَ، فَالِاحْتِيَاطُ سَدَّ هَذَا الْبَابَ عَنْهُمْ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ؟
(فَأَجَابَ) عَفَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: أَمَّا الْمَسْأَلَةُ السُّرَيْجِيَّةُ فَقَدْ بَلَغَنِي فِيهَا عَنْ أَهْلِ بَجِيلَةَ وَغَيْرِهِمْ قَبَائِحُ عَظِيمَةُ الْفُحْشِ تَدُلُّ عَلَى اسْتِهْتَارِهِمْ بِالدِّينِ وَانْحِرَافِهِمْ عَنْ سُنَنِ الصَّالِحِينَ فَلِذَلِكَ صَنَّفْت فِي بُطْلَانِهَا وَفِسْقِ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا مُصَنَّفًا حَافِلًا يَتَعَيَّنُ عَلَيْكُمْ مُرَاجَعَتُهُ وَزَجْرُ أَهْلِ بِلَادِكُمْ بِهِ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَبَائِحِ، وَلَقَدْ أَخَذَهُ بَعْضُ أَبْنَاءِ الْفُقَرَاءِ إلَى وَادِي مُحَسِّرٍ، أَوْ بَعْضِ تِلْكَ الْأَوْدِيَةِ وَحَصَلَ لِكَثِيرِينَ مِنْهُمْ الْهِدَايَةُ وَاجْتِنَابُ نِسَائِهِمْ، وَبَعْضُهُمْ تَحَلَّلَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ، وَبَعْضُهُمْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ، وَقَدْ أَطَلْت فِي ذَلِكَ الْمُصَنَّفِ وَبَيَّنْت الرَّدَّ فِيهِ عَلَى رَجُلٍ زُهْدَانِيٍّ ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ شَيْخٍ لَهُ زُهْدَانِيٍّ أَيْضًا، وَبَيَّنْت أَيْضًا أَنَّ فِي كَلَامِ ذَلِكَ الرَّجُلِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبَيَّنْت فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ أَيْضًا أَنَّ أَكْثَرَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا