زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى فَسَادَ النِّكَاحِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَصَادَقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى دَعْوَاهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوقِعَا نِكَاحًا جَدِيدًا إلَّا بِمُحَلِّلٍ لِكَوْنِهِمَا مُتَّهَمَيْنِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ الْقَفَّالُ وَنَقَلَهُ فِي الْأَنْوَارِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيّ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عُطَيْفٍ الْيَمَنِيُّ: وَإِذَا سَمِعَ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ قَوْلَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيِّنَتَهُمَا عَلَى فَسَادِ النِّكَاحِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَحَكَمَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ مَا سَبَقَ مِنْ الْمَنْقُولِ فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَمَا قَالَهُ أَقْضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ فَحِينَئِذٍ لَا يَخْفَى أَنَّ لِلْقَاضِي الشَّافِعِيِّ نَقْضَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. اهـ.
قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْخُوَارِزْمِيُّ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ هُوَ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْبَغَوِيِّ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَدَمَ السَّمَاعِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَكْثَرِينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُمْ رَدُّوا عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ حَيْثُ فَرَّقُوا فِي التَّحْلِيفِ وَأَلْزَمُوهُ بِالْبَيِّنَةِ قَالَ أَعَنَى الْأَذْرَعِيَّ وَفِيهِ مَا يُشْعِرُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ سَمَاعِهَا مُطْلَقًا فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ لِلتُّهْمَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَسْأَلَتِنَا الْمَسْئُولِ عَنْهَا قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْعِمَادِ فِي تَوْقِيفِ الْحُكَّامِ: وَنَظِيرُ مَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ.
الْمَرْأَةُ إذَا خَالَعَتْ الزَّوْجَ ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ رِضَاهَا لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهَا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي الْفَتَاوَى وَقَوْلُهُمْ إنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ وَصُورَتُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فِي الْبَاطِنِ أَمَّا لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الدَّبِيلِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فِي هَذَا الْيَوْمِ ثُمَّ قَالَ إنَّ نِكَاحِي كَانَ فَاسِدًا وَأُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ ثُمَّ أَعْقِدُ نِكَاحًا صَحِيحًا فَكَلَّمَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسَادِ نِكَاحِهِ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ نَحْوَهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الدَّعَاوَى مِنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَمِنْهَا أَنَّ الْجَمَالَ بْنَ ظَهِيرَةَ ذَكَرَ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَطَالَتْ مُدَّتُهُ مَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ ادَّعَى فَسَادَ النِّكَاحِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ نَحْوَ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي لَمْ أَكُنْ نَكَحْتهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَمِنْهَا مَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مُدَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَالَ أَرَدْت بِالْبَائِنِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ الثَّلَاثُ لِمُصَادَفَتِهَا الْبَيْنُونَةَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ
لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَمِنْهَا أَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ نَاصِرٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا بَعْدَ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي كُنْت طَلَّقْتهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ قَبْل أَنْ تَضَعَ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْوَضْعِ قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَهَلْ تَعُودُ إلَيْهِ قَبِلَ الزَّوْجُ أَمْ لَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ؟
(فَأَجَابَ) فَقَالَ: الْأَصْلُ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَضْعِ فَتَبِينُ بَعْدَهُ فَلَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَعِدَّتَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَمِنْهَا مَا سُئِلَ عَنْهُ قَاضِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ بَلْ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظَهِيرَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ خَالَعَهَا قَبْل ذَلِكَ وَأَرَادَ رَفْعَ الثَّلَاثِ بِالْخُلْعِ وَوَافَقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُقْبَلُ دَعْوَاهُمَا الْخُلْعَ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَمْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمَا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ؟
(فَأَجَابَ) فَقَالَ نُقِلَ فِي الرَّوْضَةِ فِي أَوَاخِرِ الطَّلَاقِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ كُنْت حَرَّمْتُهَا عَلَى نَفْسِي قَبْلَ هَذَا فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَمِنْهَا رَأَيْت فِي فَتَاوَى مَنْسُوبَةٍ إلَى الْقَاضِي إبْرَاهِيمَ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مَا آكُلُ هَذَا الزَّادَ الْمُعَيَّنَ ثُمَّ أَكَلَهُ قَبْل أَنْ يَقُومَ مِنْ مَقَامِهِ ثُمَّ قَالَ أَنَا مَلْقِيٌّ بِمَسْأَلَةِ الدَّوْرِ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ؟
فَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ: نَعَمْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَأَفْتَى بِذَلِكَ أَيْضًا وَلَدُ وَلَدِهِ الْقَاضِي صَلَاحُ الدِّينِ بْنِ أَبِي السُّعُودِ حَتَّى قَالَ وَأَمَّا عَدَمُ