وَلِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ مَنْشَؤُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ بِالطَّلَاقِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا كَانَ لَغْوًا؛ لِأَنَّ الْبَاءَ مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ وَالطَّلَاقُ لَا يُقْسَمُ بِهِ لَكِنَّهَا هُنَا مُحْتَمِلَةٌ لِذَلِكَ، وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَيَّ فِي زَوْجَتِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ زَائِدَةً أَيْ: عَلَيَّ فِي زَوْجَتِي الطَّلَاقُ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَغْوٌ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّهُ صَرِيحٌ، وَإِذَا تَرَدَّدَ لَفْظٌ كَذَلِكَ رُجِعَ إلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ فَإِنْ نَوَى بِالْبَاءِ الْقَسَمَ كَانَ لَغْوًا، أَوْ كَوْنَهَا زَائِدَةً كَانَ صَرِيحًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ مَاتَ وَلَمْ تُعْلَمْ نِيَّتُهُ فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ التَّرَدُّدِ.

وَأَصْلُ بَقَاءِ الْعِصْمَةِ يُرَجِّحُ النَّظَرَ إلَى عَدَمِ تَأْثِيرِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَحَيْثُ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ نُظِرَ فِي لَفْظِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ بُدَّكَ مِنْ مُسَايَرَتِي الْحَقَّ. وَقَوَاعِدُ اللُّغَةِ قَاضِيَةٌ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ بِاحْتِمَالَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ يُفَرِّقُ بَيْنَ فَتْحِ إنَّ وَكَسْرِهَا مَعَ تَخْفِيفِهَا، أَوْ تَشْدِيدِهَا عُومِلَ بِقَضِيَّةِ فَرْقِهِ وَأُدِيرَ عَلَيْهِ حُكْمُ مَا تَلَفَّظَ بِهِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ تِلْكَ الْمُحْتَمَلَاتِ رَجَعْنَا إلَى نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ نِيَّتِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسِيرَ مَعِي، أَوْ وَحْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ التَّرَاخِي إلَى الْقَاضِي، أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُخَلِّصُ لِي حَقِّي الَّذِي عَلَيْهِ أَخَذْنَاهُ بِمَا نَوَى مِنْ هَذِهِ الْمُحْتَمَلَاتِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لِجَمِيعِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى السَّوَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَإِنْ اطَّرَدَ عُرْفُهُمْ بِاسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ فِي مَعْنًى مُحْتَمِلٍ لَهُ حُمِلَ عَلَيْهِ.

وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ فِي عَلَيَّ فِي زَوْجَتِي بِالثَّلَاثِ بِالرُّجُوعِ إلَى الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الصَّرَائِحِ وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُمْ إذَا تَعَارَفُوا لَفْظًا طَلَاقًا وَكَانَ مُحْتَمِلًا لَهُ يَكُونُ كِنَايَةً وَإِنْ لَمْ يَطَّرِدْ عُرْفُهُمْ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ بِشَيْءٍ فَإِنْ نَطَقَ بِإِنْ مَكْسُورَةٍ مُخَفَّفَةٍ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا نَافِيَةٌ وَأَنَّ الْمَعْنَى لَا بُدَّ لَك أَيْ: لَا غِنًى لَك عَنْ أَنْ تُسَايِرَنِي الْحَقَّ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ سَايَرَهُ الْحَقُّ بِأَنْ ذَهَبَ هُوَ وَإِيَّاهُ وَلَوْ مُتَرَتِّبَيْنِ إلَى مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ الْحَلِفِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ بِالْيَأْسِ بِمَوْتٍ، أَوْ نَحْوِهِ وَإِنَّمَا لَمْ تُشْتَرَطْ الْمَعِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُسَايَرَةَ إلَى الْحَقِّ تَصْدُقُ بِاجْتِمَاعِهِمَا عِنْدَ مَنْ يَحْكُمُ بِهِ فَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا هُوَ نَصٌّ فِي الْمَعِيَّةِ عِنْدَ السَّيْرِ وَلَا مَا هُوَ نَصٌّ فِي فَوْرِيَّةِ الْمُسَايَرَةِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ. وَإِنْ شَدَّدَ إنَّ مَعَ كَسْرِهَا كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْحَلِفَ عَلَى إثْبَاتِ غِنَاهُ عَنْ مُسَايَرَتِهِ إلَى الْحَقِّ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ وَإِنْ فَتَحَهَا مُخَفَّفَةً كَانَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِفَتْحِ أَنْ مُخَفَّفَةً فَفِي النَّحْوِ يَقَعُ حَالًا؛؛ لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ وَفِي غَيْرِهِ يَكُونُ بِمَعْنَى إنْ الْمَكْسُورَةِ الْمُخَفَّفَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَيَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ فِي الْمَكْسُورَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَإِنْ فَتَحَهَا مُشَدَّدَةً كَانَ مَعْنَاهُ قَرِيبًا مِمَّا مَرَّ فِي مَعْنَى الْمَكْسُورَةِ الْمُشَدَّدَةِ فَيَأْتِي فِيهَا فِي تِلْكَ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَلَا عُرْفَ كَمَا تَقَرَّرَ.

(وَسُئِلَ) عَنْ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ فِيهَا جَوَابَانِ مُخْتَلِفَانِ صُورَتُهَا إذَا قُلْنَا بِتَصْحِيحِ الدَّوْرِ فَطَلَّقَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَلَّقَ عَلَيْهَا مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ يُرِيدُ دَفْعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِذَلِكَ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَاهُ مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ أَمْ لَا فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ

(أَجَابَ الْأَوَّلُ) فَقَالَ: نَقَلَ الشَّيْخُ النَّهَارِيُّ الْيَمَنِيُّ فِي كِفَايَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِعَدَمِ الْإِلْغَاءِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ ادَّعَى الْإِلْقَاءَ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ. نَعَمْ إنْ قَامَتْ حِسْبَةٌ قُبِلَتْ، وَكَذَا إنْ أَقَامَتْهَا الْمَرْأَةُ، أَوْ صَدَّقَتْهُ عَلَى الْإِلْغَاءِ قُبِلَ قَالَ: وَفِي الرَّوْضَةِ مَا يُفْهِمُهُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُقِرَّ بِعَدَمِ الْإِلْغَاءِ وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَاهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ.

(وَأَجَابَ الثَّانِي) فَقَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ وَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَلَوْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِمَامَ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْغَايَةِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَى مَا لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ وَيَدِينُ فِيهِ فَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِيمَا ادَّعَاهُ لَمْ يَرْتَفِعْ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ إذْ لَا أَثَرَ لِمُصَادَفَتِهَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ الْإِمَامُ الْأَزْرَقُ وَبِنَحْوِهِ

أَجَابَ الْفَقِيهُ الْحِلِّيُّ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ ادَّعَى تَعْلِيقَ الدَّوْرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. الْأَمْرُ الثَّانِي لِلْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا نَظَائِرُ قَالُوا فِيهَا بِعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِ الْمُطَلِّقِ فِيمَا ادَّعَاهُ، مِنْهَا أَنَّ الْأَئِمَّةَ نَقَلُوا عَنْ الْإِمَامِ الْخُوَارِزْمِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لَهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015