عَنْ أَحَدِهِمَا فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِيرُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ وَإِيضَاحُ انْدِفَاعِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ وَاقِعٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ وَإِنَّمَا الَّذِي ادَّعَاهُ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ مُعَلَّقًا بِالنَّقِيضَيْنِ وَأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ وَاقِعٌ لِمَا مَرَّ وَذَلِكَ لَمَّا صَدَرَ مِنْهُ التَّعْلِيقَانِ ثُمَّ قَالَ طَلَّقْتُك كَانَ هَذَا مُعَلَّقًا بِنَقِيضَيْنِ وَهُمَا وُقُوعُ الْقَبْلِيِّ ثَلَاثًا لَوْ وَقَعَ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ مُفَادُ التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ وَوُقُوعُهُ ثَلَاثًا لَوْ لَمْ يَقَعْ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ مُفَادُ التَّعْلِيقِ الثَّانِي فَإِذًا صَحَّحْنَا كُلًّا مِنْ التَّعَلُّقَيْنِ.
فَإِنْ قُلْنَا بِتَأْثِيرِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَزِمَ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ، أَوْ بِعَدَمِ تَأْثِيرِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَزِمَ وُقُوعُ النَّقِيضِينَ وَكُلٌّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَالِارْتِفَاعِ الْمَذْكُورَيْنِ مُحَالٌ فَلَزِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا وَاقِعٌ وَلَا بُدَّ وَأَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الْأَوَّلَ لَمَّا وُجِدَ سَدَّ بَابَ الطَّلَاقِ فَلَمَّا وُجِدَ التَّعْلِيقُ الثَّانِي مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ طَلَّقْتُك وَقُلْنَا بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ الثَّانِي الَّتِي سَلَّمَهَا الْإِسْنَوِيُّ كَمَا مَرَّ لَزِمَ مَنْعُهُ لِذَلِكَ السَّدِّ وَاقْتِضَاؤُهُ لِلْوُقُوعِ وَإِلَّا لَزِمَ الْمُحَالُ الْمُقَرَّرُ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ انْدِفَاعُ قَوْلِهِ وَلِهَذَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الطَّلَاقُ بِلَا لَفْظٍ آخَرَ مَعَ قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يَحْصُلُ الْعَزْلُ إلَّا بِلَفْظٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا تَقَرَّرَ وَانْدِفَاعِ مَا حَاوَلَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا الْبَابِ وَبَابِ الْوَكَالَةِ عَلَى أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِيمَا قُلْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ قَدْ يَتَّفِقُ مَعَ اخْتِلَافِ مَدْرَكِهِمَا فَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ مَدْرَكُ الْوَكَالَةِ غَيْرَ مَدْرَكِ مَا هُنَا وَإِنْ اتَّفَقَا فِي الْحُكْمِ وَهُوَ حَلُّ الدَّوْرِ السَّابِقِ بِالتَّعْلِيقِ اللَّاحِقِ عَلَى أَنَّ ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ أَشَارَ إلَى أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا بِقَوْلِهِ: وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي الْوَكَالَةِ إلَخْ فَجَعَلَ بَيْنَهُمَا تَقَارُبًا لَا اتِّحَادًا وَهُوَ عَيْنُ مَا يَدَّعِيهِ الْإِسْنَوِيُّ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِرَاضِهِ عَلَيْهِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ بَحَثَ انْحِلَالَ الدَّوْرِ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا يَدُكِ طَالِقٌ مَثَلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُقُوعَ بِالسِّرَايَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّلْقَةِ، أَوْ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ لَا يُنْسَبُ لِلْمُطَلِّقِ وَإِنَّمَا هُوَ تَكْمِيلٌ مِنْ الشَّرْعِ عَلَى تَنَاقُضٍ فِيهِ وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَنْسَدَّ بَابُ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ وُقُوعُ طَلَاقٍ عَلَيْهَا وَفِي هَذَا الْمِثَالِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى بَعْضِهَا. اهـ.
وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهُ كَلَامٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى انْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الطَّلَاقِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إيقَاعِ بَعْضِهِ وَلَا مِنْ تَطْلِيقِ بَعْضِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ فَرْعُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ. اهـ. وَلَيْسَ بِذَاكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الطَّلَاقِ إلَّا إذَا أَوْقَعَهُ عَلَى كُلِّهَا دُونَ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الِانْسِدَادِ الدَّوْرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى لَفْظِهِ وَهُوَ مَتَى، أَوْ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَإِذَا أَوْقَعَهُ عَلَى بَعْضِهَا وَقُلْنَا بِمَا مَرَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ قَوْلُهُ وَقَعَ عَلَيْك وَإِذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ وُقُوعُهُ وُقُوعَ الثَّلَاثِ قَبْلَهُ لَمْ يَحْصُلْ الدَّوْرُ فَظَهَرَ أَنَّ لِمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَجْهًا وَأَنَّ الدَّوْرَ يَنْحَلُّ بِهِ كَمَا يَنْحَلُّ بِمَا مَرَّ فَهَاتَانِ طَرِيقَتَانِ لِحَلِّهِ، وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الْكَمَالِ الدَّمِيرِيِّ مِنْ حَلِّهِ بِمَا مَرَّ عَنْهُ فَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي مَنْقُولِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَإِذَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي تِلْكَ تَحَقَّقَ التَّنَاقُضُ فَمَا بَالُك بِهَذِهِ الَّتِي لَا تَنَاقُضَ فِيهَا بِوَجْهٍ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهَا انْحِلَالٌ.
وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الْأَزْرَقِ فَإِنَّمَا يَتَّضِحُ إنْ كَانَتْ صِيغَةُ تَعْلِيقِهِ كُلَّمَا، أَوْ مَتَى طَلَّقْتُك وَحِينَئِذٍ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِذَلِكَ لَمْ يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الطَّلَاقِ حَتَّى يَحْتَاجَ لِحَلِّهِ وَإِنَّمَا يَنْسَدُّ الْبَابُ إذَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا، أَوْ مَتَى وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي وَهَذِهِ لَا يَنْحَلُّ الدَّوْرُ فِيهَا بِمَا قَالَهُ الْأَزْرَقُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا لِلطَّلَاقِ يُسَمَّى وُقُوعًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ إيقَاعًا وَحَصْرُ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ قَدْ بَانَ انْدِفَاعُهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ لَهُ طَرِيقَيْنِ طَرِيقَ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَطَرِيقَ الْإِسْنَوِيِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ عَلَيَّ فِي زَوْجَتِي بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إلَّا بِإِسْكَانِ النُّونِ أَوْ تَشْدِيدِهَا بِفَتْحٍ أَوْ كَسْرٍ بُدُّكِ مِنْ مُسَايَرَتِي الْحَقَّ فَسَارَ إلَى الْحَقِّ بَعْدَ مُدَّةٍ لَكِنْ لَمْ يَتَسَايَرَا مَعًا فِي الطَّرِيقِ مَا حُكْمُهُ؟ وَعَمَّا لَوْ قَالَ عَلَيَّ فِي امْرَأَتِي بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إلَّا لَمْ تُعْطِنِي الْحَقَّ هَلْ هُوَ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ بِنَفْيِ الْإِعْطَاءِ حَتَّى لَوْ أَعْطَاهُ الْحَقَّ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَةٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى صِيغَةِ عَلَيَّ فِي زَوْجَتِي بِالطَّلَاقِ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ، أَوْ كِنَايَةٌ، أَوْ لَغْوٌ