ثَمَّ قَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي هَذِهِ لَا رَجْعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِيُوَافِقَ قَوْلُهُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي تِلْكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ كَجٍّ يَقُولُ إنَّهُ بَائِنٌ فِي الصُّورَتَيْنِ وَيَجْعَلُ الْعِوَضَ فِيهِمَا فَاسِدًا حَتَّى يَقَعَ بَائِنًا وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَابْنُ الْقَطَّانِ يَقُولُ إنَّهُ بَائِنٌ فِي الْأُولَى رَجْعِيٌّ فِي الثَّانِيَةِ وَعَلَيْهِ الْفَرْقُ أَنَّ الْعِوَضَ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ نِكَاحُ الْبِنْتِ مَقْصُودٌ لَكِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْعِوَضِيَّةِ شَرْعًا فَكَانَ فَاسِدًا وَيَلْزَمُ مِنْ فَسَادِهِ الْوُقُوعُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَأَمَّا الْعِوَضُ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا فَهُوَ بِمَثَابَةِ الدَّمِ.

وَقَاعِدَةُ الْخُلْعِ أَنَّ عِوَضَهُ إذَا لَمْ يُقْصَدْ يَقَعُ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ وَبِهَذَا اتَّضَحَ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ مِنْ الْوُقُوعِ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْأُولَى وَرَجْعِيًّا بِلَا مَالٍ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ الْأَوْجَهُ لِمَا عَلِمْت مِنْ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَجَوَابُ بَقِيَّةِ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته وَهُوَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْمُقَابِلُ لِلْخُلْعِ تَزْوِيجًا فَوُجِدَ وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ طَلَاقًا وَقَعَ رَجْعِيًّا وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ أَجِئْ هَذِهِ السَّنَةَ. . . إلَخْ كِنَايَةٌ فَإِنْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا، أَوْ مُتَعَدِّدًا وَغَابَ عَنْهَا سَنَةً وَقَعَ مَا نَوَاهُ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ.

(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ ثَلَاثًا فَقَالَ ثَلَاثًا أَوْ قِيلَ لَهُ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا فَقَالَ ثَلَاثًا مَا الْحُكْمُ؟ ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْأَوْجَهُ أَخْذًا مِمَّا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَهْدَهُ أَنَّهُ نَوَى بِقَوْلِهِ: ثَلَاثًا وَقَدْ بَنَاهُ عَلَى مُقَدَّرِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَقَعَ الثَّلَاثُ وَكَانَ التَّقْدِيرُ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَأَمَّا مَنْ أَجَابَ بِأَنَّهَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَكِنْ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ كَوْنُهَا غَيْرَ مَنْوِيَّةٍ مَعَ لَفْظِ طَالِقٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الْعَدَدِ كَوْنُهُ مَنْوِيًّا بِنِيَّةٍ مَقْرُونَةٍ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ كَاقْتِرَانِ نِيَّةِ الْكِنَايَةِ بِهَا فَقَدْ أَخْطَأَ كَمَا بَيَّنَهُ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ حَيْثُ قَالَ:

لَمْ يُصِبْ فِي جَوَابِهِ هَذَا سَوَاءٌ أَوْقَعَ الْوَاحِدَةَ بِلَفْظِ ثَلَاثًا كَمَا يَقْتَضِيهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ لِمَا لَا يَخْفَى أَيْ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ السُّؤَالَ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ أَمْ بِلَفْظِ طَالِقٍ الْمُقَدَّرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْمَالِ مُقَدَّرٍ يَجُوزُ عَدَمُ إرَادَتِهِ وَإِهْمَالِ مُتَلَفَّظٍ بِهِ وَلَا فِي تَوْجِيهِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ اعْتَبَرَ أَنَّ التَّقْدِيرَ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الثَّلَاثِ وَاقْتِرَانِهَا بِطَالِقٍ، إذْ نِيَّةُ الْعَدَدِ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا كَمَا ذُكِرَ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ الْعَدَدِ ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ نَقَلَ عَنْ فَتَاوَى الْإِمَامِ ابْنِ رَزِينٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ قُولُوا لَهَا أَنْتِ وَرَفِيقَتُك طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ لِأَيِّ شَيْءٍ لَا تَقُولُ ثَلَاثًا فَقَالَ ثَلَاثًا.

فَأَجَابَ إنْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِلَفْظِي هَذَا أَيْ بَلِّغُوهُمَا أَنِّي طَلَّقْتهمَا وَنَوَى بِذَلِكَ إيقَاعَ الثَّلَاثِ وَقَعَ الثَّلَاثُ كَمَا نَوَى وَإِنْ قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ عَدَدٍ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَبِذَلِكَ يَبْقَى قَوْلُهُ ثَلَاثًا إنْ قَصَدَ بِهِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ كَأَنَّهُ أَرَادَ طَلَّقْت الْآنَ كُلًّا مِنْهُمَا ثَلَاثًا، أَوْ كُلًّا مِنْهُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ بِهِ تَمَامُ الثَّلَاثِ إنْ دَخَلَ بِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا قَصْدٌ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ وَفِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَقْفَةٌ وَلَا سِيَّمَا إنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ؛ لِأَنَّ ثَلَاثًا بِمُفْرَدِهَا لَا تَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ.

وَفِي ذَلِكَ تَأْيِيدٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ الْجَوَابُ.

وَأَمَّا تَوَقُّفُ الْأَذْرَعِيِّ فَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَبْنِ الْكَلَامَ عَلَى الْمُقَدَّرِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَنَاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ أَفْتَى فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ سَكَتَ وَرَاجَعَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا بَائِنَةً عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ نَوَى الثَّلَاثَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعْنَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ أَوَّلًا لَكِنْ أَرَادَ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا تَتِمَّتَهُ وَتَفْسِيرَهُ وَعَنَى بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا أَنَّهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ أَيْضًا قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِلَفْظٍ حُذِفَ بَعْضُهُ اجْتِزَاءً بِالْبَاقِي مِنْهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى الْقَرِينَةِ وَمِمَّا نُصَّ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً أَنْتِ ثَلَاثًا وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ بِمِثْلِ ذَلِكَ.

قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْهُ فِي تَوَسُّطِهِ قُلْت تَأَمَّلْ جَوَابَهُ مَعَ مَا سَبَقَ عَنْ صَاحِبِهِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ رَزِينٍ وَأَمَّا مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْتِ ثَلَاثًا فَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015