وَاحِدٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ وَآخَرَ بِأَلْفٍ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَشَهَادَةِ اثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الثَّلَاثِ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ وَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ.
وَإِنَّمَا الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّظَرِ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ طَلَّقَ وَاحِدَةً وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّهُ طَلَّقَ ثَلَاثًا فَقَدْ تَعَارَضَا فِي الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَهَلْ يَقَعُ هَذَا الزَّائِدُ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ وُقُوعُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمُتْلَفِ بِأَنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ وَزْنَ مَا أَتْلَفَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دِينَارٌ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى أَنَّ وَزْنَهُ نِصْفُ دِينَارٍ لَزِمَ الدِّينَارُ أَخْذًا بِشَهَادَةِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ بِخِلَافِ شَهَادَةِ التَّقْوِيمِ فَإِنْ قَوَّمَتْهُ بَيِّنَةٌ بِدِينَارٍ وَأُخْرَى بِنِصْفٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ النِّصْفُ لِاتِّفَاقِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَيْهِ وَتَعَارُضِهِمَا فِي الْبَاقِي وَفَرَّقُوا بَيْنَ هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا بِأَنَّ مَدْرَكَ شَهَادَةِ التَّقْوِيمِ الِاجْتِهَادُ وَقَدْ تَطَّلِعُ بَيِّنَةُ الْأَقَلِّ عَلَى عَيْبٍ فَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ زِيَادَةَ الْعِلْمِ عِنْدَ التَّعَارُضِ فِي الْوَزْنِ مَعَ الشَّهَادَةِ بِالْأَكْثَرِ وَعِنْدَ التَّعَارُضِ فِي الْقِيمَةِ مَعَ الشَّهَادَةِ بِالْأَقَلِّ وَكَالتَّعَارُضِ فِي الْوَزْنِ التَّعَارُضُ فِي الذَّرْعِ، أَوْ الْعَدِّ، أَوْ الْكَيْلِ فَيُؤْخَذُ بِشَهَادَةِ الْأَكْثَرِ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ قِيَاسُ كَلَامِهِمْ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَزْنِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِعَدَدِ الْمَعْدُودِ، أَوْ بِأَذْرُعِ الْمَذْرُوعِ فَعَارَضَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ أَنْقَصُ مِنْ ذَلِكَ كَنِصْفِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ قِيَاسُ كَلَامِهِمْ صَحِيحٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِنْ تَأَمُّلِ مَا قَالُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَزْنِ مِمَّا ذَكَرْته فِيهَا عُلِمَ جَرَيَانُ مِثْلِهِ فِي الْعَدِّ وَالذَّرْعِ وَالْكَيْلِ إذْ لَا فَارِقَ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ جَلِىٌّ وَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ بَيْنَهُمَا فَارِقٌ لَمْ يَتَأَتَّ قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ لَا شَيْءَ فِيهِ لَا خَفِيٌّ وَلَا ظَاهِرٌ بَلْ هُوَ الْجَارِي عَلَى سُنَنٍ إلَّا سُنَنَ الِاسْتِقَامَةِ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ بَادَلْت أَوْ بَادَلْتُك بِزَوْجَتِي إلَى زَوْجَتِك أَوْ بِضَيْعَتِي إلَى ضَيْعَتِك أَوْ بَقَرَتِك أَوْ زَاقَرْت أَوْ زَاقَرْتك إلَى ذَلِكَ فَقَالَ بَادَلْت أَوْ بَادَلْتُك أَوْ زَاقَرْتك أَوْ زَاقَرْت وَيُرِيدَانِ بِزَاقَرْت مَعْنَى بَادَلْت مَا الْحُكْمُ وَعَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ طَلِّقْ زَوْجَتَك وَأُزَوِّجُك أَوْ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي أَوْ أُخْتِي أَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ طَلِّقْ زَوْجَتَك وَأُزَوِّجُك نَفْسِي أَوْ عَلَى أَنْ أُزَوِّجُك نَفْسِي أَوْ وَأُزَوِّجَكَ أَوْ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَقَالَ هِيَ طَالِقٌ أَوْ قَالَ طَلَقَتْ مَا الْحُكْمُ وَعَمَّنْ أَرَادَ السَّفَرَ فَقَالَ لِلنَّاسِ إلَّا لَمْ أَجِئْ هَذِهِ السَّنَةَ أَوْ إذَا غِبْت عَنْ زَوْجَتِي سَنَةً فَمَا أَنَا لَهَا بِزَوْجٍ أَوْ فَمَا هِيَ لِي امْرَأَةٌ مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي بَادَلْت، أَوْ بَادَلْتُك بِزَوْجَتِي إلَى زَوْجَتِك أَنَّهُ إنْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا وَاحِدًا، أَوْ مُتَعَدِّدًا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا فَهُوَ كِنَايَةٌ فِيهِ لِصِدْقِ حَدِّهَا عَلَيْهِ وَهُوَ مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ تَعَسُّفٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ بَادَلْتُك يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ كَذَلِكَ.
وَقَاعِدَةُ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَلَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ تَشْهَدُ لِذَلِكَ، وَبَادَلْت صَرِيحٌ فِي الْبَيْعِ كَمَا يَأْتِي فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الزَّوْجَةِ نَاوِيًا بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا كَذَلِكَ لَزِمَ كَوْنَهُ كِنَايَةً فِيهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا لَا تَعَسُّفَ فِيهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي نَحْوِ بِعْتُك نَفْسَك إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كِنَايَةٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته. ثُمَّ رَأَيْتُهُمْ صَرَّحُوا بِنَحْوِ مَا ذَكَرْته فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ بِعْتُك الطَّلَاقَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ بَادَلْتُك بِضَيْعَتِي إلَى ضَيْعَتِك مَثَلًا فَبَيْعٌ؛ لِأَنَّ بَادَلْت مِنْ صَرَائِحِ الْبَيْعِ فَإِذَا أَرَادَ بِذَلِكَ بَادَلْتُك ضَيْعَتِي بِضَيْعَتِك انْعَقَدَ بَيْعًا وَصَارَتْ الضَّيْعَةُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْبَاءُ ثَمَنًا وَالْأُخْرَى مُثَمَّنًا وَأَمَّا بَادَلْت بِضَيْعَتِي إلَى ضَيْعَتِك فَهُوَ بَاطِلٌ لِفَقْدِ كَافِ الْخِطَابِ الْمُشْتَرَطَةِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَزَاقَرْت إذَا اُشْتُهِرَتْ عِنْدَ قَوْمٍ بِمَعْنَى بَادَلْت صَارَتْ كِنَايَةَ بَيْعٍ وَطَلَاقٍ فَإِنْ نُوِيَ بِهَا بَيْعٌ صَحَّ، أَوْ طَلَاقٌ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ زَيْدٌ بِنْتَهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إلَّا إنْ زَوَّجَهُ فَإِذَا زَوَّجَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَلِلْمُطَلِّقِ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُزَوِّجِ الْمُلْتَزِمِ لَهُ بِذَلِكَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَطَّانِ لَكِنَّهُ قَالَ فِيمَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ طَلِّقْ امْرَأَتَك عَلَى أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي وَجَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا طَلَاقَ هَذِهِ بَدَلًا عَنْ طَلَاقِ الْأُخْرَى يَقَعُ الطَّلَاقَانِ إذَا فَعَلَاهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرَّجْعَةُ. اهـ. فَجَعْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ رَجْعِيًّا يُنَاقِضُ جَعْلَهُ لَهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا بَائِنًا.
وَمِنْ