لِأَحَدٍ مِنْ الْقُدُومِ عَلَيْهِمْ فَلَا خَلَاصَ لَهُ وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي أَحَدًا مِنْهُمْ لَا يَرُوحُ إلَّا بَعْدَ أَكْلِهِ زَادًا مِنْ عِنْدِ أَحَدِ الْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا إنْ أَكَلُوا كُلُّهُمْ زَادًا مِنْ عِنْدِ أَحَدِ الْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرْته بَقِيَّةُ النِّيَّاتِ، أَوْ يَسْأَلُ السَّائِلُ مِنْ الْحَالِفَيْنِ عَنْ مُرَادِهِمَا بِالْحَلِفِ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ، وَقَدْ سُئِلَ بِصُورَةِ ذَلِكَ لِيُكْتَبَ لَهُ الْجَوَابُ عَلَى ثَبْتٍ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا نِيَّةٌ فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَإِنْ حَلَفَ الْأَوَّلُ مَا نَذُوقُ لَكُمْ زَادًا فَمَتَى ذَاقَ أَحَدُ الْقَادِمِينَ زَادًا لِلْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ، أَوْ لِبَعْضِهِمْ إنْ أَرَادَهُ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَذُقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ شَيْئًا لِلْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ فَلَا حِنْثَ، وَأَمَّا الْحَالِفُ الثَّانِي فَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقَ الزَّادِ فَذَاقُوا زَادَ الْغَيْرِ الْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِأَكْلِهِمْ لَهُ قَبْلَ رَوَاحِهِمْ وَإِنْ حَلَفَ الْأَوَّلُ مَا نَذُوقُ عِنْدَكُمْ زَادًا فَمَتَى ذَاقُوا عِنْدَهُمْ أَيْ فِي الْمَحَلِّ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِمْ عُرْفًا مَعَ حُضُورِهِمْ فِيهِ زَادًا لِلْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ، أَوْ غَيْرِهِمْ حَنِثَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَحْنَثْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرُوحُوا إلَّا بَعْدَ زَادٍ وَإِنْ رَاحُوا بِلَا أَكْلِ زَادٍ حَنِثَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَفِي صُورَةِ مَا نَذُوقُ لَكُمْ زَادًا وَلَا نِيَّةَ لِلْحَالِفِ فَيَبْرَأُ بِتَمَلُّكِهِمْ لِلزَّادِ قَبْلَ ذَوْقِهِ ثُمَّ عَلَى السَّائِلِ - وَفَّقَهُ اللَّهُ - أَنْ يَبْحَثَ عَنْ اللَّفْظِ الْوَاقِعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَعَنْ كَوْنِ الْحَالِفَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا أَرَادَا شَيْئًا، أَوْ أَطْلَقَا وَيَتَأَمَّلَ مَا ذَكَرْتُهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ فَإِنْ فَهِمَ حُكْمَهُ مِنْ ذَلِكَ فَهْمًا يَقِينِيًّا عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا أَرْسَلَ لِمَا يَذْكُرُ أَنَّ لَهُ مُفَصَّلًا لِنَذْكُرَ لَهُ حُكْمَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ أَقَرَّ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ إنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَنْ أَقَرَّ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَلَّقَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ نِكَاحِهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ تَزْوِيجًا صَحِيحًا وَيُغَيِّبَ حَشَفَتَهُ فِي قُبُلِهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا أَشْهَدُ أَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ سِتَّ عَشْرَةَ طَلْقَةً وَقَالَ الْآخَرُ أَشْهَدُ أَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفَ طَلْقَةٍ فَأَجَابَ بَعْضُ فُقَهَاءِ زُبَيْدٍ بِجَوَابٍ مَبْسُوطٍ حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ إلَّا طَلْقَةٌ فَمَا التَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ زُبَيْدٍ مِنْ وُقُوعِ طَلْقَةٍ فَقَطْ غَيْرُ مُعْتَمِدٍ وَلَا مُعَوِّلٍ عَلَيْهِ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ وَلَا قِيَاسَ يُعَضِّدُهُ وَلَيْتَهُ قَالَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ فَإِنَّ لَهُ وَجْهًا مَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِيمَا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ غَصَبَهُ بُكْرَةً وَآخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ عَشِيَّةً حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَ أَحَدِهِمَا وَأَخَذَ الْغُرْمَ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلَا تَعَارُضَ. اهـ.
فَهَذَا قَدْ يَتَوَهَّمُ مِنْهُ مَنْ لَا تَحْصِيلَ عِنْدَهُ عَدَمَ وُقُوعِ شَيْءٍ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلَا تَعَارُضَ وَلَا يُمْكِنُ الْمُدَّعِيَ هُنَا حَلْفُهُ مَعَ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ بِبَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ لَهُ وَجْهًا، تَمْوِيهٌ بَاطِلٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ فِيهَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ إلَّا فِي الزَّائِدِ عَلَى سِتَّ عَشْرَةَ؛ لِأَنَّ مَنْ شَهِدَ بِالْأَلْفِ لَمْ يُعَارِضْ مَنْ شَهِدَ بِسِتَّ عَشْرَةَ، إلَّا فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا وَأَمَّا السِّتَّ عَشْرَةَ فَهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَيْهَا لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِعَشَرَةٍ مَثَلًا كَانَ مُقِرًّا بِخَمْسَةٍ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ كَانَ مُقِرًّا بِسِتَّ عَشْرَةَ فَيَقَعُ مِنْهَا ثَلَاثٌ وَيُعَزَّرُ عَلَى إيقَاعِهِ الزَّائِدَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فَإِنَّهُ أَعْنِي الزَّرْكَشِيّ قَالَ: وَاللَّامُ فِي الطَّلَاقِ لِلْعَهْدِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الثُّلُثُ فَلَوْ طَلَّقَ أَرْبَعًا قَالَ الرُّويَانِيُّ عُزِّرَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ يَأْثَمُ. اهـ.
وَشَاهِدُ مَا ذَكَرْته مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ قَوْلِهِمْ لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ دِينَارًا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ دِينَارٍ ثَبَتَ نِصْفُ الدِّينَارِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَلِلْمُدَّعِي الْحَلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِالنِّصْفِ لَا يُعَارِضُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَكَمَا ثَبَتَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ يَقَعُ هُنَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَاعْتَمِدْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا خَالَفَهُ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ شَهَادَةِ