فَإِذَا فَعَلَ لَا يُقَالُ بَرَّ بَلْ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَأَمَّا لَأَفْعَلَنَّ كَمَا فِي صُورَتِنَا وَنَظَائِرِهَا فَالْفِعْلُ مَقْصُودٌ وَهُوَ إثْبَاتٌ جُزْئِيٌّ وَلَهُ جِهَةُ بِرٍّ وَهِيَ فِعْلُهُ وَجِهَةُ حِنْثٍ بِالسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ نَقِيضُهُ وَالْحِنْثُ هُنَا قَضِيَّةُ الْيَمِينِ وَتَفْوِيتُ الْبِرِّ فَإِذَا الْتَزَمَهُ وَفَوَّتَهُ بِخُلْعٍ مِنْ جِهَتِهِ حَنِثَ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَعَلَيْهِ فَالصِّيَغُ أَرْبَعٌ اثْنَتَانِ يُفِيدُ فِيهِمَا الْخُلْعُ وَهُمَا الْحَلِفُ عَلَى النَّفْيِ كَلَا أَفْعَلُ كَذَا وَالْحَلِفُ عَلَى الْإِثْبَاتِ مُطْلَقًا بِمَا لَا إشْعَار لَهُ بِالزَّمَانِ مُطْلَقًا كَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَاثْنَتَانِ لَا يُفِيدُ فِيهِمَا الْخُلْعُ وَهُمَا الْحَلِفُ بِالْإِثْبَاتِ مُعَلَّقًا بِمَا يُشْعِرُ بِزَمَانٍ كَإِذَا لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَالْحَلِفِ بِلَأَفْعَلَنَّ وَنَحْوِهَا وَلَيْسَ قِيَاسُ هَذَا خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ بِإِنْ لَمْ آكُلْ فَأَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ فِي الْغَدِ بَعْد تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ لَا يَحْنَثُ بَلْ الْمَنْقُولُ فِي نَظِيرِهِ الْحِنْثُ هُنَا أَيْضًا وَعَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهِ وَأَمَّا تَوْجِيهُ الزَّرْكَشِيّ السَّابِقُ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي فِي النَّظَائِرِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا قُلْنَاهُ دُون الْمُخَالِفَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ لِمَا رَجَّحَهُ وَالتَّأْيِيدُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْفَزَارِيّ وَالْبُلْقِينِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا تَأْيِيدَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ فَأَنَّهُ مُهِمٌّ وَبِمَا قَرَّرْته عُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا فِي السُّؤَالِ وَهُوَ أَنَّ الْخُلْعَ يَنْفَعُهُ قَبْل مُضِيِّ الشَّهْرِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الَّتِي فِي السُّؤَالِ فَإِذَا فَعَلَهُ ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ وَإِذَا جُدِّدَ النِّكَاحُ بَعْد الشَّهْرِ فَحَكَمَ لَهُ شَافِعِيٌّ بِصِحَّتِهِ أَوْ بِعَدَمِ الْحِنْثِ بِالثَّلَاثِ كَانَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِعَدَمِ عَوْدِ الصِّفَةِ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمُخَالِفِ الْحُكْمُ بِعَوْدِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمْ.
(مَسْأَلَة) قَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ وَهَبَتْهُ لَك أَوْ نَذَرْت بِهِ لَك وَلَوْ قَالَتْ لَهُ بَذَلْت لَك صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي فَقَالَ إلَّا صَحَّتْ بَرَاءَتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَوْ قَالَ لَهَا ابْرَئِينِي وَأَنَا أُطَلِّقُك فَقَالَتْ أَنْتَ الْبَرِيءُ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ وَلِيَّةُ النِّسَاءِ بِنَفْسِك عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ فَهُوَ إنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ عَلَى لَفْظِ الْإِبْرَاء لَمْ يَحْنَثْ بِقَوْلِهَا وَهَبْته أَوْ نَذَرْت بِهِ لَك وَإِنْ أَطْلَقَ حَنِثَ فِي وَهَبْته لَك كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ هِبَةُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ لِلْمَدِينِ إبْرَاءٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى وَأَمَّا فِي نَذَرْت بِهِ لَك فَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِوَهَبْتُهُ لَك فِيمَا ذُكِرَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْإِبْرَاءِ خُلُوُّ الذِّمَّةِ عَنْ الدَّيْنِ وَهِبَتُهُ وَنَذْرُهُ مِثْلُ الْإِبْرَاء فِي ذَلِكَ لِخُلُوِّ الذِّمَّةِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَنْهُ.
وَأَيْضًا فَالْأَصَحُّ فِي الْإِبْرَاء أَنَّهُ تَمْلِيك الْمَدَّيْنِ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ شَائِبَةُ الْإِسْقَاطِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْهِبَة مُحَصِّلَةٌ لِذَلِكَ التَّمْلِيكِ وَكَذَلِكَ النَّذْرُ مُحَصِّلٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ ذَلِكَ التَّمْلِيكِ فَاسْتَوَتْ الثَّلَاثَةُ أَعْنِي الْإِبْرَاءَ وَالْهِبَةَ وَالنَّذْرَ فِي تَحْصِيلِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْمَقْصُودِ وَهُوَ خُلُوُّ الذِّمَّةِ عَنْ الدَّيْنِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بَيْن الْهِبَةِ وَالنَّذْرِ بِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يُسَمَّى الْتِزَامًا لَا تَمْلِيكًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فَسَاوَتْ الْإِبْرَاء فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ الْأَوَّلُ وَلَا أَثَرَ لِهَذَا الْفَرْقِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الِالْتِزَامَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ النَّذْرُ مُحَصِّلٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ التَّمْلِيكِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ كُلٌّ مِنْ الْإِبْرَاء وَالْهِبَة وَقَاعِدَةُ أَنَّ الْأُمُورَ بِمَقَاصِدِهَا وَأَنَّ الْمَعْنَى قَدْ يُرَجَّحُ عَلَى اللَّفْظِ إذَا قَوِيّ مَأْخَذُهُ يُرَجِّحَانِ مَا ذَكَرْته أَنَّ نَذْرَ الدَّيْنَ لِلْمَدِينِ وَإِنْ سُمِّيَ الْتِزَامًا إلَّا أَنَّ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالْمَقْصُودِ مِنْهُ مَوْجُودَانِ بِتَمَامِهِمَا فِيهِ.
فَكَانَ الْأَوْجَهُ إلْحَاقُ النَّذْرِ بِالْهِبَةِ كَمَا مَرَّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالطَّلَاقِ فِيمَا ذُكِرَ فَهُوَ بَائِنٌ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ قَبْل أَنْ يَتَخَلَّلَ كَلَامٌ كَثِيرٌ أَجْنَبِيٌّ وَأَنْ يَعْلَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْرَ الصَّدَاقِ وَأَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مُطْلَقَةُ التَّصَرُّفِ شَرْعًا وَأَنْ لَا يَكُونَ الصَّدَاقُ زَكَوِيًّا وَإِلَّا اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَمْضِيَ عَلَيْهِ حَوْلٌ وَقَدْ بَيَّنْت هَذِهِ الشُّرُوطَ وَمَا فِيهَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي اخْتِصَارِي الْمُحَرَّرِ مِنْ الْآرَاءِ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ بِالْإِبْرَاءِ ثُمَّ رَأَيْتنِي ذَكَرْت فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته فِي النَّذْرِ وَعِبَارَتِي فِيهِ قَالَ إنْ نَذَرْت لِي بِكَذَا أَوْ بِجَمِيعِ مَا تَسْتَحِقِّيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَذَرَتْ لَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَالتَّعْلِيقِ بِالْإِبْرَاءِ بِجَامِعِ تَضَمُّنِ كُلٍّ لِلْمُعَاوَضَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَيُشْتَرَطُ فِي الْبَيْنُونَةِ صِحَّةُ النَّذْرِ وَعِلْمُهُمَا بِمَا نَذَرَ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا اُشْتُرِطَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ