وصفتْ سرائرهُم، وَأما إنْ كَانُوا بِخِلَاف ذَلِك فيفهمون من كَلَام الصَّالِحين غير المُرَاد بِهِ مِمَّا يَلِيق بأغراضهم الْفَاسِدَة، وشهواتهم الْمُحرمَة فَهَؤُلَاءِ عاصون آثمون: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ} [النُّور: 63] وَقد وَقع لبَعْضهِم أَن ينشد كَلَام بعض فسقة الشُّعَرَاء الْمُشْتَمل على الِاجْتِمَاع بالمرد وَالْخُمُور وَنَحْوهَا من الْمعاصِي فَيَنْبَغِي النَّهْي عَنهُ مَا أمكن، فَإِن إنشاده واستماعه حرَام كَمَا صرح بِهِ النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) ، وَهُوَ ظَاهر لِأَنَّهُ يحمل الْقَوْم سِيمَا الفسقة مِنْهُم على محبَّة ذَلِك، أَو يزيدُ الاسترسالُ فيهم ففيهم من الشَّرّ وَالْفساد مَا لَا تُحصى كثرتُه وَلَا تَنْقَضِي نهايته، وَأما الذّكر المُسْجعْ فإنْ وَقع السَجَعُ فِيهِ عَن تكلّف كَانَ مَكْرُوها، لِأَنَّهُ يُنَافِي الْخُشُوع، وَإِن وَقع لَا عَن تكلّف فَلَا بَأْس بِهِ، أخذا مِمَّا ذَكرُوهُ من هَذَا التَّفْصِيل فِي الدُّعَاء، نعم يَقع لبَعْضهِم أَنه عِنْد السجع صَغَّر اسْمه تَعَالَى أوْ وَصْفه كَالله ملى، وَهَذَا عِنْد تَعَمّده حرَام شَدِيد التَّحْرِيم بل رُبمَا يكون كفرا بل أطلق بَعضهم أَنه كفر فليحذر ذَلِك. وَقَول السَّائِل: وَهل يفرق بَين الْأَشْعَار الغزلية والمدائح وَنَحْوهَا؟ فحينئذٍ جَوَابه: أَنه لَا فرق بَينهمَا فِيمَا سبق من أنَّ مَا اشْتَمَل على سُخْف أَو هُزْء أَو مدح مَعْصِيّة، أَو محرم فَحَرَام، وَمَا خلا عَن ذَلِك فمباح أَو مَنْدُوب. وَالْحَاصِل أَن الْعبْرَة بِالْمَقْصُودِ والنيات وَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ الْقُلُوب وأَكنَّتْه الضمائر فَربَّ سامع قبيحاً صرفه إِلَى الْحسن وَعَكسه فيعامل كل أحد بِحَسب نِيَّته وقصده. وَيَنْبَغِي للْإنْسَان حيثُ أمكنه عدم الانتقاد على السَّادة الصُّوفِيَّة نفعنا الله بمعارفهم، وأفاض علينا بِوَاسِطَة مَحبتَّنا لَهُم مَا أَفَاضَ على خواصِّهم، ونظمنا فِي سلك أتباعهم، ومَنَّ علينا بسوابغ عوارفهم، أنْ يُسَلِّم لَهُم أَحْوَالهم مَا وجد لَهُم محملًا صَحِيحا يُخْرِجهم عَن ارْتِكَاب الْمحرم، وَقد شاهدنا من بَالغ فِي الانتقاد عَلَيْهِم، مَعَ نوع تصعب فابتلاه الله بالانحطاط عَن مرتبته وأزال عَنهُ عوائد لطفه وأسرار حَضرته، ثمَّ أذاقه الهوان والذلِّة وردَّه إِلَى أَسْفَل سافلين وابتلاه بِكُل علَّة ومحنة، فنعوذ بك اللَّهُمَّ من هَذِه القواصم المُرْهِقات والبواتر المهلكات، ونسألك أَن تنظمنا فِي سلكهم الْقوي المتين، وَأَن تَمنَّ علينا بِمَا مَننتَ عَلَيْهِم حَتَّى نَكُون من العارفين وَالْأَئِمَّة الْمُجْتَهدين إِنَّك على كل شَيْء قدير وبالإجابة جدير. 49 وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: مَا المُرَاد بكراع فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَو دعيت إِلَى كُراع لَأَجَبْت) ؟ فَأجَاب بقوله: الْأَرْجَح أَنه كرَاع الدَّابَّة، وَقيل المُرَاد مِنْهُ مَكَان بالحرَّة، ورده النقاد على من رَوَاهُ إِلَى كرَاع الْغنم وَقَالُوا إِنَّه تَحْرِيف، وَالله أعلم. 50 وَسُئِلَ نفع الله بِهِ، بِمَا لَفظه: (لَا تظهر الشماتة لأخيك فيعافيه الله ويبتليك) من رَوَاهُ؟ . فَأجَاب بقوله: رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحسنه. 51 وَسُئِلَ: عَن حَدِيث: (اللَّهُمَّ أهد قُريْشًا فَإِن علم الْعَالم مِنْهُم بِسبع طَبَقَات الأَرْض) من رَوَاهُ؟ فَأجَاب بقوله: رَوَاهُ أَبُو يعلى بِسَنَد جيد. 52 وَسُئِلَ أدام الله النَّفْع بِعُلُومِهِ: هَل ترجيحات الْعباب مُعْتَمدَة أم الْمُعْتَمد مَا رَجحه الشَّيْخَانِ؟ فَأجَاب بقوله: صَاحب العُباب رَحمَه الله لم يرجح شَيْئا وَإِنَّمَا تبع بعض الْمُتَأَخِّرين فِي اعتراضه على الشَّيْخَيْنِ بِالنَّصِّ، وَكَلَام الْأَكْثَرين ظنا مِنْهُ أَن التَّرْجِيح لَا يعوّل فِيهِ إِلَّا على ذَلِك، وَلَيْسَ كَمَا ظن، وَمَا جرى عَلَيْهِ مُخَالفا لَهما غير مُعْتَمد فِي أَكْثَره كَمَا بيّنت ذَلِك بأدلته إِجْمَالا فِي شرح خطبَته وتفصيلاً فِي شَرحه عِنْد كل مَحل فِيهِ خلافًا لِلشَّيْخَيْنِ وَنَحْوه، وَلَقَد سَأَلَني بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَة على مُشرِّفها أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام سَنَة مجاورتي بهَا سنة خمسين وَتِسْعمِائَة بعض أفاضلها رَحمَه الله عَن سَبَب إتباع النَّاس لِلشَّيْخَيْنِ فِي ترجيحهما دون غَيرهمَا فِي سُؤال طَوِيل فِيهِ كثير من المشكلات والتشكيكات، فأجبته عَن ذَلِك بِجَوَاب طَوِيل يصلح مؤلفاً فِي الْمَسْأَلَة مُشْتَمل على تحقيقات تشفي العليل، وتبرد الغليل، وَهُوَ مُسَطَّر فِي (الْفَتَاوَى) فلينظره من أحب الْوُقُوف عَلَيْهِ، وَالله سُبْحَانَهُ الْمُوفق وَأعلم بِالصَّوَابِ. 53 وَسُئِلَ رَضِي الله عَنهُ: من مُصَنف ضِيَاء الحلوم فِي اللُّغَة؟ فَأجَاب بقوله: هُوَ مُحَمَّد بن نَشْوان بن سعيد التَّمِيمِي القَاضِي، كَانَ وَالِده عَالما باللغة والفرائض، وصنف فِي اللُّغَة كتابا حافلاً فِي ثَمَانِيَة أسفار وَسَماهُ (شمس الْعُلُوم وشفاء كَلَام الْعَرَب من الكُلوم) سلك فِيهِ مسلكاً غَرِيبا يذكر الْكَلِمَة فِي اللُّغَة فَإِن كَانَ لَهَا نفع من جِهَة الطِّبّ ذكره، فجَاء وَلَده الْمَذْكُور وَاخْتَصَرَهُ فِي جزءين وَسَماهُ (ضِيَاء الحلوم) مَاتَ نشوان فِي حُدُود ثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ. 54 وَسُئِلَ أدام الله النَّفْع بِعُلُومِهِ: مَا يسْتَحبّ من الذّكر عِنْد رُؤْيَة الشَّمْس وَالْقَمَر هَل هُوَ لمن رآهما أَو لمن علم بهما وَإِن لم يرهما، وَهل هُوَ مَطْلُوب عِنْد كل رُؤْيَة أَو مَخْصُوص بالطلوع