الْفُقَهَاء عَلَيْهِم، لأَنهم المجتهدون والمعول عَلَيْهِم دون من سواهُم، هَذَا لَو لم تظهر أدلتهم فَكيف وَقد ظَهرت بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَدِلَّة الْقَائِلين بِالثَّانِي، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ. 46 وَسُئِلَ نفع الله بِعُلُومِهِ عَمَّا صورته: ذكر بعض الْفُضَلَاء الولوة سُمعتْ فِي بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وفسرها بالغطارف، فَهَل لما ذكره أصل أم لَا؟ فَأجَاب، أمدنا الله بمدده، بقوله: لَا أصل لهَذَا التَّفْسِير، فَفِي (الْقَامُوس) : وَلْوَلتْ الْمَرْأَة: أعْولَتْ، وأعْوَل: رفع صَوته بالبكاء والصياح. وَفِيه أَيْضا أَن الغَترفة والغَطْرَفة والتَغَتْرف والتَغَطرف الكِبْر، فَبِهَذَا كُله علم عدم صِحَة تَفْسِير الولولة بِمَا ذكر فِي السُّؤَال. فَإِن قلت: مَا حكم غطارف النِّسَاء وَهِي مَا يظْهر من أفواههن وعَلى ألسنتهن عِنْد حَادث سرُور، وَلَو فِي الْمَسَاجِد؟ قلت: حكمه حكم بَقِيَّة صَوتهَا الغفل الْمُجَرّد عَن الْحُرُوف وتقطيعها. وَالصَّحِيح عندنَا أَنه لَيْسَ عَورَة وَيبعد أنَّ فِي مثل ذَلِك فتْنَة، وَيُؤَيِّدهُ قَوْلهم: يسن للْمَرْأَة إِذا أَرَادَت أَن تُجيب مَنْ دَقِّ على بَابهَا لحَاجَة أَن تجْعَل ظهر يَدهَا على فمها وتجيبه، فحيئذٍ لَا يظْهر لَهُ حَقِيقَته، والغطرفة كَذَلِك وأبْشَعْ، نعم هِيَ حينئذٍ فِي الْمَسْجِد مَكْرُوهَة بِلَا شكّ لِأَنَّهَا من جملَة الْأَلْفَاظ الَّتِي يتَأَكَّد تَنْزِيه الْمَسْجِد عَنْهَا، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم. 47 وَسُئِلَ نفع الله بِهِ عَمَّا صورته: رُوي فِي التَّفْسِير أَنه لما نزل: {أَتَىاأَمْرُ اللَّهِ} [النَّحْل: 1] وثب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَسَمعنَا من أَفْوَاه بعض النَّاس قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؛ فَهَل يسنّ لنا إِذا قرأناه أَن نقوم أَو لَا؟ فَإِن قُلْتُمْ نعم فَهَل يخْتَص بالقارىء، أَو يَشْمَل المستمع، وَإِن قُلْتُمْ لَا فَهَل يمْنَع من ذَلِك أَو لَا؟ فَأجَاب فسح الله فِي مدَّته بقوله: الَّذِي ذكره الواحدي فِي أَسبَاب النُّزُول أَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: لما أنزل الله {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ} [الْقَمَر: 1] قَالَ بعض الْكفَّار لبَعض: إنَّ هَذَا يزْعم أَن الْقِيَامَة قد قربتْ فأمسكوا عَن بعض مَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ حَتَّى تنظروا مَا هُوَ كَائِن، فَلَمَّا رَأَوْا أَنه لاينزل عَلَيْهِ شَيْء قَالُوا نرى شَيْئا. قَالَ: فَأنْزل الله تَعَالَى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} [الْأَنْبِيَاء: 1] فأشفقوا ينتظرون قرب السَّاعَة. فَلَمَّا امتدت الْأَيَّام قَالُوا: يَا مُحَمَّد مَا نرى شَيْئا مِمَّا تخوّفنا بِهِ، فَأنْزل الله تَعَالَى: {أَتَىاأَمْرُ اللَّهِ} فَوَثَبَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرفع النَّاس رؤوسهم فَنزل: {فَلَا تستعجلوه} فاطمأنوا، فَلَمَّا نزلت هَذِه الْآيَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (بعثت أَنا والساعة كهاتين وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ إِن كادتْ لتسبقني) . وَقَالَ آخَرُونَ: الْأَمر هُنَا هُوَ الْعَذَاب بِالسَّيْفِ وَهُوَ جَوَاب (للمنتظرين الْحَادِث) حِين قَالُوا: {اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَاذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَآءِ} [الْأَنْفَال: 32] الْآيَة، يستعجل الْعَذَاب فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة اه مَا ذكره الواحدي رَحمَه الله. وَإِذا تأملته علمت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يثب إِلَّا فَزعًا من سَماع قَوْله تَعَالَى: {أَتَىاأَمْرُ اللَّهِ} [النَّحْل: 1] وَأَنه لم يثب تشريعاً لأمته ليفعلوا مثل فعله. وَإِذا تقرر أَن ذَلِك الْوُثُوب إِنَّمَا كَانَ لذَلِك الْفَزع، وَلذَلِك رفع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم رؤوسهم فَزعًا؛ وَإِن ذَلِك السَّبَب الَّذِي هُوَ الْفَزع زَالَ بنزول {فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [النَّحْل: 1] ظهر لَك أَن الْوُقُوف بعد قِرَاءَة الْآيَة غير سنة، وَلأَجل ذَلِك لم ينْقل عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا عَن أَصْحَابه وقُوف عِنْد قِرَاءَة الْآيَة بعد ذَلِك فَدلَّ على أَن فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأفعالهم إِنَّمَا كَانَ لسَبَب وَقد زَالَ، وحينئذٍ فَفعل ذَلِك الْآن بِدعَة لَا يَنْبَغِي ارتكابها لإبهام الْعَامَّة ندبها. وَنَظِير ذَلِك فعل كثير عِنْد ذكر مولده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَوضع أمه لَهُ من الْقيام وَهُوَ أَيْضا بِدعَة لم يرد فِيهِ شَيْء على أَن النَّاس إِنَّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِك تَعْظِيمًا لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فالعوام معذورون لذَلِك بِخِلَاف الْخَواص وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم بِالصَّوَابِ. 48 وَسُئِلَ نفع الله بِهِ: عَمَّا تَفْعَلهُ طوائف الْيمن وَغَيرهم من اجْتِمَاعهم، وإنشاد أشْعارهم والمدائح مَعَ ذِكْر مُسْجع هَل هُوَ ذكر أَو لَا؟ وَهل يفرق بَينه وَبَين الْأَشْعَار الغزلية والمدائح؟ وَهل مَنعه أحد من الْعلمَاء فَإِن كَانَ فَمَا سَبَب مَنعه؟ فأجَاب نفع الله بِعُلُومِهِ بقوله: إنشاد الشّعْر وسماعه إِن كَانَ فِيهِ حث على خير، أَو نهي عَن شَرّ، أَو تشويق إِلَى التأسي بأحوال الصَّالِحين، وَالْخُرُوج عَن النَّفس ورعُونتها وحُظوظها، والتأدب والجدِّ فِي التحلي بالمراقبة للحق فِي كل نَفَس، ثمَّ الِانْتِقَال إِلَى شُهُوده فِي كل ذرة من ذرات الْوُجُود، والعبادات كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الصَّادِق المصدوق صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله: (الْإِحْسَان أَن تَعْبُدُ الله كَأَنَّك ترَاهُ فإنْ لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك) فَكل من الإنشاد وَالِاسْتِمَاع سنة، وَالَّذِي نَسْمَعهُ عَن اليمنية وَغَيرهم أَنهم لَا ينشدون فِي مجَالِس ذكرهم إِلَّا بِمَا فِيهِ شَيْء مِمَّا ذَكرْنَاهُ، والمنشدون والسامعون مأجورون مثابون إنْ صلحتْ نياتهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015