بهم إِلَى الْخَلِيفَة فَأَما الْجُنَيْد فتستر بالفقه فَإِنَّهُ كَانَ يُفْتِي على مَذْهَب أبي ثَوْر صَاحب الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فجِئ بهم وَبسط لَهُم النطع لتضرب أَعْنَاقهم فبادر النَّوَوِيّ فَقَالَ لَهُ السياف وَلم تبادر للْقَتْل فَقَالَ لأوثر أَصْحَابِي بحياة سَاعَة لإنا قوم بنينَا مَذْهَبنَا على الإيثار فأنهى الْأَمر إِلَى الْخَلِيفَة فَعجب من ذَلِك وَأرْسل لَهُ قاضيه فَسَأَلَهُ عَن مسَائِل مشكلة فَالْتَفت عَن يَمِينه وَعَن يسَاره ثمَّ أطرق ثمَّ تكلم عَلَيْهَا بِمَا يشفي الصُّدُور فَرجع القَاضِي وَهُوَ يَقُول إِن كَانَ هَؤُلَاءِ زنادقة فَلَيْسَ على وَجه الأَرْض صديق فأطلقوهم وَسُئِلَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن ذَلِك الِالْتِفَات فَقَالَ سَأَلت عَنْهَا ملك الْيَمين فَقَالَ لَا أعلمها ثمَّ ملك الشمَال فَقَالَ كَذَلِك فَسَأَلت قلبِي فَأَخْبرنِي عَن رَبِّي بِمَا أجبْت بِهِ وَكَانَ هَذَا لشدَّة إشكالها وَإِلَّا فالنووي من أَئِمَّة عُلَمَاء الظَّاهِر أَيْضا رَضِي الله عَنهُ ونفعنا بِسَائِر الْأَوْلِيَاء والعارفين فَإنَّا نعتقدهم ونحبهم وَمن أحب قوما حشر مَعَهم حقق الله لنا الدُّخُول فِي أعدادهم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة آمين (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ مَا معنى تَوْحِيد الصُّوفِيَّة الموهم للحلول والاتحاد الْمُوجب لكثير من الْفُقَهَاء الِاعْتِرَاض عَلَيْهِم بذلك وَتَشْديد النكير عَلَيْهِم فِي جَمِيع تِلْكَ المسالك حَتَّى بَالغ كثير مِنْهُم بالتكفير حَقِيقَة أَو للتنفير (فَأجَاب) بقوله اعْلَم وفقني الله وَإِيَّاك لمرضاته وأدخلنا تَحت حيطة الصفوة من أوليائه ليتجلى علينا عرائس هباته أَن تَوْحِيد الله تَعَالَى بِاللِّسَانِ العلمي الْمُقَرّر فِي كتب أَئِمَّة الْكَلَام القَوْل فِيهِ مَشْهُور عِنْد من مارس ذَلِك الْفَنّ وأطلع على دقائقه وأحاط بِمَا فِيهِ من العويصات والشبه والإيرادات وأجوبتها وَمن ثمَّ كَانَ هَذَا الْعلم فِي الْحَقِيقَة أشرف الْعُلُوم إِذْ هِيَ تشرف بشرف معلومها وأفضلها إِذْ معرفَة الله تَعَالَى وَالنَّظَر الْمُؤَدِّي إِلَيْهَا هما أول الْوَاجِبَات العينية وأساس جَمِيع الْفُرُوض وَغَيرهَا وَسَائِر أصُول الشَّرِيعَة وفروعها وَأما التَّوْحِيد بالأحوال الشهودية والمواجيد العرفانية فَهُوَ حَال أَئِمَّة التصوف الَّذين أتحفهم الله بِمَا لم يتحف بِهِ أحد سواهُم لِأَن أهل ذَلِك الْعلم لَيْسَ لَهُم من الْحُضُور مَعَ الْحق وآثار شُهُود صِفَاته وحقائق تجلياته فِي جَمِيع أَحْوَالهم وأقوالهم وأفعالهم مَا لأئمة الصُّوف الغارقين فِي بحار شُهُود التَّوْحِيد الواقفين مَعَ الله تَعَالَى على قدم الصدْق والتجريد والمتخلين عَمَّا سواهُ على غَايَة الْكَمَال والتفريد فتوحيدهم هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمعول وحالهم هُوَ الْحَال الْأَكْمَل الَّذِي لَيْسَ لَهُم عَنهُ محول بل هم دَائِما فِي ظله الظليل لَا براح لَهُم عَن الحضرة الشهودية وَلَا شاغل لَهُم عَن استجلاء الْحَقَائِق الْوُجُود ليتعرفوا بهَا حكم الْأَقْضِيَة وحقائق الْقُدْرَة وآثار صِفَات الْجلَال وَالْجمال وَمن ثمَّ قَالَ بعض محققيهم فارقا بَينهم وَبَين عُلَمَاء الْكَلَام أُولَئِكَ قوم اشتغلوا بِالِاسْمِ عَن الْمُسَمّى وَنحن قوم اشتغلنا بِالْمُسَمّى عَن الِاسْم وَلذَلِك تَجِد أُولَئِكَ لَا شُهُود لَهُم وَلَا استحضار بل قُلُوبهم مَمْلُوءَة بِشُهُود الأغيار مستغرقة فِي الشَّهَوَات وَإِن فرض أَن لَهُم استحضارا فَهُوَ مَقْصُور على حَالَة استحضار شَيْء من علمهمْ على أَن هَذَا للنادر مِنْهُم وَأما أَكْثَرهم فهم لَا يستحضرون إِلَّا الْأَلْفَاظ ومعانيها فَحسب دون أَمر زَائِد على ذَلِك وَقد شرحوا محققوا الصُّوفِيَّة توحيدهم الَّذِي اختصوا بِهِ بعبارات مُخْتَلفَة هِيَ فِي الْحَقِيقَة مؤتلفة من أحْسنهَا قَول إِمَام الْعُلُوم الظَّاهِرَة والباطنة الْمجمع على جلالته وأمامته فِي الطَّرِيقَيْنِ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي قدس الله سره وروحه ونوّر ضريحه فارقا بَين تَوْحِيد الصُّوفِيَّة وتوحيد غَيرهم تَوْحِيد العَبْد لرَبه على مَرَاتِب تَوْحِيد لَهُ بالْقَوْل وَالْوَصْف بِأَن يخبر عَن وحدانيته وتوحيد لَهُ بِالْعلمِ وَهُوَ أَن يُعلمهُ بالبرهان على وحدانيته وتوحيد لَهُ بالمعرفة وَهُوَ أَن يعرفهُ بِالْبَيَانِ كَمَا علمه بالبرهان وَالْبَيَان أجلى من الْبُرْهَان فَفِي حَال مَعْرفَته بِالْبَيَانِ لَا يفْتَقر إِلَى نظره وَلَا إِلَى تذكر نظره وَلَيْسَ بضروري علمه وَلكنه كالضروري فِي أَنه أقوى حَالا مِمَّا كَانَ وَقد تسمى هَذِه الْحَالة الإلهام وَإِنَّمَا يَصح ذَلِك إِذا ترقى إِلَى هَذِه الصّفة عَن الْعلم البرهاني بِقُوَّة الْحَال ثمَّ تَوْحِيد من حَيْثُ الْحَال يشهده وَاحِد أَو حَال الشُّهُود لَيْسَ لَهُ الرُّؤْيَة وَلكنه كالرؤية كَمَا قَالَ - صلى الله عليه وسلم - اعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ وَهَذِه هِيَ حَالَة الْمُشَاهدَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْقَوْم بتوالي التجلي على قلبه فَصَارَ كالعيان حَاله وَمن أهل التَّوْحِيد من يشْهد لَهُ الحادثات بجملتها بِاللَّه تَعَالَى بظهورها فيشهدها بِهِ سُبْحَانَهُ تجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامه وَتظهر فِيهَا أَفعاله وَمن أهل التَّوْحِيد من يُوجد من حَيْثُ التَّنْزِيه فَهَؤُلَاءِ قَالُوا الْحق وَرَاء مَا أدْركهُ الْخلق بأفواههم وَأَحَاطُوا بِهِ بعلومهم وأشرفوا عَلَيْهِ بمعارفهم