لم يقْصد أَوَائِل مقاصدهم بل هُوَ على مُجَرّد تشبه ظَاهر من ظَاهر التَّشَبُّه والمشاركة فِي الزي وَالصُّورَة دون السِّيرَة وَالصّفة فَلَيْسَ متشبها بالصوفية لِأَنَّهُ غير محاك لَهُم فِي الدُّخُول فِي بداياتهم فَإِذا هُوَ متشبه بالمتشبه يعزى إِلَى الْقَوْم بِمُجَرَّد لبسه وَمَعَ ذَلِك هم الْقَوْم لَا يشقى بهم جليسهم وَقد ورد من تشبه بِقوم فَهُوَ مِنْهُم (وَسُئِلَ) رَضِي الله عَنهُ عَن قوم من الْفُقَهَاء يُنكرُونَ على الصُّوفِيَّة إِجْمَالا أَو تَفْصِيلًا فَهَل هم معذورون أم لَا (فَأجَاب) بقوله يَنْبَغِي لكل ذِي عقل وَدين أَن لَا يَقع فِي ورطة الْإِنْكَار على هَؤُلَاءِ الْقَوْم فَإِنَّهُ السم الْقَاتِل كَمَا شوهد ذَلِك قَدِيما وحديثا وَقد قدمنَا صِحَة قصَّة ابْن السقاء الْمُنكر على ولي الله فَأَشَارَ لَهُ أَنه يَمُوت كَافِرًا فشوهد عِنْد مَوته بعد تنصره لفتنته بنصرانية أَبَت مِنْهُ إِلَّا أَن يتنصر مُسْتَقْبل الشرق وَكلما حول للْقبْلَة يتَحَوَّل إِلَى الشرق حَتَّى طلعت روحه وَهُوَ كَذَلِك وَإنَّهُ كَانَ أوجه أهل زَمَانه علما وذكاء وشهرة وتقدما عِنْد الْخَلِيفَة فَحلت عَلَيْهِ الْكَلِمَة بِوَاسِطَة إِنْكَاره وَقَوله عَن ذَلِك الْوَلِيّ لأسألنه مسئلة لَا يقدر على جوابها وَتقدم أَيْضا أَن الإِمَام أَبَا سعيد بن أبي عصرون إِمَام الشَّافِعِيَّة فِي زَمَنه صدر مِنْهُ لذَلِك الْوَلِيّ نوع قلَّة أدب فوعده بِأَن يغرق فِي الدُّنْيَا إِلَى أُذُنَيْهِ فولاه نور الدّين الشَّهِيد الْأَوْقَاف بِدِمَشْق وَكَانَ كَذَلِك وَأَن إِمَام العارفين وتاج الْخُلَفَاء الْوَارِثين محيي الدّين عبد الْقَادِر الجيلاني رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة جَاءُوا للْوَلِيّ مَعًا فَوَقع للأولين مَا ذكر وَأما الشَّيْخ عبد الْقَادِر لما تأدب مَعَه دَعَا لَهُ ووعده بِالْولَايَةِ بل القطبية وَأَن قدمه سيصير على عنق كل ولي لله لي فَانْظُر شُؤْم قلَّة الْأَدَب وَفَائِدَة الْأَدَب والاعتقاد وَجَاء عَن الْمَشَايِخ العارفين وَالْأَئِمَّة الْوَارِثين أَنهم قَالُوا أقل عُقُوبَة الْمُنكر على الصَّالِحين أَن يحرم بركتهم قَالُوا ويخشى عَلَيْهِ سوء الخاتمة نَعُوذ بِاللَّه من سوء الْقَضَاء وَقَالَ بعض العارفين من رَأَيْتُمُوهُ يُؤْذِي الْأَوْلِيَاء وينكر مواهب الأصفياء فاعلموا أَنه محَارب لله مبعد مطرود عَن حَقِيقَة قرب الله وَقَالَ الإِمَام الْمجمع على جلالته وإمامته أَبُو تُرَاب النخشبي رَضِي الله عَنهُ إِذا ألف الْقلب الْإِعْرَاض عَن الله صحبته الوقيعة فِي أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَقَالَ الإِمَام الْعَارِف شاه بن شُجَاع الْكرْمَانِي مَا تعبد متعبد بِأَكْثَرَ من التحبب إِلَى أَوْلِيَاء الله لِأَن محبتهم دَلِيل على محبَّة الله عز وَجل وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي قبُول قُلُوب الْمَشَايِخ للمريد أصدق شَاهد لسعادته وَمن رده قلب شيخ من الشُّيُوخ فَلَا محَالة يرى غب ذَلِك وَلَو بعد حِين وَمن خذل بترك حُرْمَة الشُّيُوخ فقد أظهر رقم شقاوته وَذَلِكَ لَا يُخطئ انْتهى وَيَكْفِي فِي عُقُوبَة الْمُنكر على الْأَوْلِيَاء قَوْله - صلى الله عليه وسلم - فِي الحَدِيث الصَّحِيح من آذَى لي وليا فقد آذنته بِالْحَرْبِ أَي أعلمته أَنِّي محَارب لَهُ وَمن حَارب الله لَا يفلح أبدا وَقد قَالَ الْعلمَاء لم يحارب الله عَاصِيا إِلَّا الْمُنكر على الْأَوْلِيَاء وآكل الرِّبَا وكل مِنْهُمَا يخْشَى عَلَيْهِ خشيَة قريبَة جدا من سوء الخاتمة إِذْ لَا يحارب الله إِلَّا كَافِرًا وَحكى اليافعي قدس سره عَن عصريه الشَّيْخ الإِمَام عبد الْعَزِيز الديريني أَنه أدْركهُ الْمغرب وَهُوَ فِي حَاجَة فصلاه وَرَأى فَقِيها يلحن فِي قِرَاءَته فعزم الشَّيْخ على الْإِقَامَة عِنْده ليعلمه فَلَمَّا سلم قَالَ لَهُ يَا عبد الْعَزِيز الْحق حَاجَتك فَإِن من هِيَ عِنْده يُرِيد السّفر وَمَا عَلَيْك من هَذَا اللّحن الَّذِي سمعته والتعليم الَّذِي نويته فركبت فَلَمَّا وصلت لمن عِنْده تِلْكَ الْحَاجة رَأَيْته عَازِمًا على السّفر وَلَو تَأَخَّرت لَحْظَة فَاتَنِي وَذكر اليافعي أَن جمَاعَة من الْفُقَهَاء أَنْكَرُوا على جمَاعَة من الصُّوفِيَّة لحنهم فِي مواجيدهم فَأَعَادُوا تِلْكَ الْكَلِمَات فِي الْحَال وأعربوها بِوُجُوه من الْإِعْرَاب ثمَّ أنشدوا عقيب ذَلِك شعرًا:
(لحنها مُعرب وأعجب من ذَا ... أَن إِعْرَاب غَيرهَا ملحون)
وَقَالَ بعض الْمَشَايِخ لبَعض الْفُقَهَاء الْمُنكر عَلَيْهِ فَعرض لَهُ أَسد فَمَنعه مِنْهُ اشتغلتم باصطلاح الظَّاهِر فخفتم الْأسد وَاشْتَغَلْنَا بإصلاح الْبَاطِن فخافنا الْأسد وَقَالَ آخر لمن أنكر عَلَيْهِ قِرَاءَته إِن كنت لحنت فِي قِرَاءَة الْقُرْآن فقد لحنت أَنْت فِي الْإِيمَان وَذَلِكَ أَنه لما أنكر عَلَيْهِ وَخرج قَصده السَّبع فخشي عَلَيْهِ من جَوْفه لضعف إيمَانه وَقلة يقينه بِاللَّه إِذا لسبع كلب من الْكلاب ودابة من دَوَاب الْبر لَا يَتَحَرَّك شَيْء مِنْهَا إِلَّا بِإِذن رب الأرباب وَوَقع لصوفي أَنه دخل بلد أفتخلف فَقِيها عَن زيارته فَسَأَلَهُ أَهلهَا أَن يغاثوا لشدَّة مَا عِنْدهم من الجدب فَقَالُوا سلوا فقيهكم فَإِن سقيتم بدعوته زرته فسالوه فَقَالَ لَا أسألوه هُوَ فَإِن سقيتم بدعائه زرته فَرَجَعُوا إِلَيْهِ فَدَعَا فسقوا فِي الْحَال فجَاء فزاره وَمِمَّا يلجئك على اعْتِقَادهم مَا جَاءَ عَن أبي الْحسن النَّوَوِيّ أَنه وَأَصْحَابه رموا بالزندقة وسعى