قَالُوا وكل من كوشف بِشَيْء فعلى قدر قوته وَضَعفه قَالُوا وَالْقَوْم الَّذين كوشفوا بِالْحَقِيقَةِ أَو شاهدوا الْحق واحتفظوا بشواهدهم عَن شُهُود الْحق أَو استمسكوا فِي عين الْجمع أَو لَيْسَ يشْهدُونَ إِلَّا الْحق أَو لَيْسَ يَخْشونَ إِلَّا الْحق أَو هم محوا فِي حق الْحق أَو مصطلون فِيهِ بسُلْطَان الْحَقِيقَة أَو تجلى لَهُم الْحق بِجلَال الْحق وَغير هَذَا إِلَى آخر مَا عبر عَنهُ معبر أَو أخبر عَنهُ مخبر أَو أَشَارَ إِلَيْهِ مشير أَو أدْركهُ فهم أَو انْتهى إِلَيْهِ علم أَو حَضَره بالتفصيل ذكر فهم شَوَاهِد الْحق وَهُوَ حق من الْحق وَلكنه لَيْسَ بِحَقِيقَة الْحق فَإِن الْحق منزه عَن الْإِدْرَاك والإحاطة وَالْإِشْرَاق قَالُوا وَكلما يدل على خلق أَو جَار على الْخلق فَذَاك مِمَّا يَلِيق بالخلق وَالْحق مقدس عَن جَمِيع ذَلِك انْتهى حَاصِل كَلَام الْقشيرِي وَهُوَ لاسيما آخِره أوضح عاضد وَأقوى شَاهد على حَقِيقَة تَوْحِيد الْقَوْم السالمين من الْمَحْذُور واللوم وعَلى أَنه الْغَايَة القصوى فِي التَّوْحِيد والحقيقة الْعليا فِي الْمعرفَة والتنزيه والتمجيد فشرفهم بذلك وَإِيَّاك أَن تقع فِي ورطة الِاعْتِرَاض عَلَيْهِم فتتسابق أسْهم القواطع إِلَيْك فَإِنَّهُم بُرَآء من ذَلِك منزهون عَنهُ إِذْ هم أكمل الْخلق عقلا وَمَعْرِفَة فَكيف يتوهمون مَا هُوَ بديهي الْبطلَان وَبَيَان ذَلِك أَن الِاتِّحَاد بَعْدَمَا قَامَ من الْبَرَاهِين المقررة فِي كتب الْحِكْمَة وَالْكَلَام على امْتنَاع اتِّحَاد الِاثْنَيْنِ هُوَ يسْتَلْزم كَون الْوَاجِب هُوَ الْمُمكن وَعَكسه وَذَلِكَ محَال بِالضَّرُورَةِ وَأما الْحُلُول فلوجوه الأول أَن الْحَال فِي الشَّيْء يفْتَقر إِلَيْهِ فِي الْجُمْلَة سَوَاء كَانَ حُلُول جسم فِي مَكَان أَو عرض فِي جَوْهَر أَو صُورَة فِي مَادَّة كَمَا هُوَ رَأْي الْحُكَمَاء أَو صفة فِي مَوْصُوف والافتقار إِلَى الْغَيْر يُنَافِي الْوُجُوب وَمن ذَلِك حُلُول الامتزاج كَالْمَاءِ فِي الْورْد فَإِنَّهُ من خَواص الْأَجْسَام وَهِي مفتقرة إِلَى الْغَيْر الثَّانِي أَن الْحُلُول فِي الْغَيْر أَن لم يكن صفة كَمَال وَجب نَفْيه عَن الْوَاجِب وَإِلَّا لزم كَون الْوَاجِب مستكملا بِالْغَيْر وَهُوَ بَاطِل الثَّالِث لَو حل فِي جسم على مَا زعم بعض الْمُلْحِدِينَ الَّذين لَا عقول لَهُم وَلَا دين فَأَما أَن يحل فِي جَمِيع أَجْزَائِهِ فَيلْزم الانقسام أَو فِي جُزْء مِنْهُ فَيكون أَصْغَر الْأَشْيَاء وَكِلَاهُمَا بَاطِل بِالضَّرُورَةِ وَالِاعْتِرَاف والأدلة على ذَلِك كَثِيرَة مَحل بسطها كتب الْكَلَام وَإِذا بَان واتضح بطلَان الْحُلُول والاتحاد وامتناعها على الذَّات فَكَذَا على الصِّفَات لِاسْتِحَالَة انْتِقَال صفة الذَّات المختصة بهَا إِلَى غَيرهَا فرأس الْقَائِلين بهَا النَّصَارَى وَبَعض المنتسبين إِلَى الْإِسْلَام كغلاة الشِّيعَة قَالُوا لَا يمْتَنع ظُهُور الروحاني فِي الجسماني كجبريل فِي صُورَة دحْيَة وكالجني فِي صُورَة إنسي وَحِينَئِذٍ فَلَا يبعد أَن يظْهر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُول الظَّالِمُونَ والجاحدون علوا كَبِيرا فِي صُورَة بعض الكاملين وَأولى النَّاس بذلك عَليّ وَأَوْلَاده الَّذين هم خير الْبَريَّة رَضِي الله عَنْهُم وأطالوا فِي هَذِه النزهات البديهية الْبطلَان لَكِن لفساد عُقُولهمْ حَتَّى صَارُوا كالأنعام بل هُوَ أضلّ سَبِيلا راجت عَلَيْهِم حَتَّى حسبوا أَنهم على حق فزلوا وأزلوا وَضَلُّوا وأضلوا وكفرتهم يَزْعمُونَ أَنهم من عداد الصُّوفِيَّة وَلَيْسوا كَمَا زَعَمُوا بل هم من عداد الحمقاء الَّذين لَا يَدْرُونَ مَا يَقُولُونَ وَلَا يعون مَا يَزْعمُونَ فهم أضلّ من الْحَيَوَان وأحمق من الْفراش الَّتِي ترمي نَفسهَا إِلَى النيرَان وَمن جملَة خرافاتهم وكذبهم وجهالاتهم قَوْلهم أَن السالك إِذا أمعن فِي سلوكه وخاض لجة الْوُصُول يحل الله سُبْحَانَهُ وتقدس عَن مرية المفترين فِيهِ كَمَا تحل النَّار فِي الْجَمْر بِحَيْثُ لَا يتمايز أَو يتحد بِحَيْثُ لَا اثنينية وَلَا تغاير وَصَحَّ أَن يَقُول هُوَ أَنا وَأَنا هُوَ وَحِينَئِذٍ يرْتَفع الْأَمر وَالنَّهْي وَيظْهر من الغرائب والعجائب مَا لَا يَصح أَن يكون من الْبشر وَفَسَاد هَذَا كَالَّذي قبله غنى عَن الْإِيضَاح وَالْبَيَان فَذكره استطراد وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَن يعتني بتحقيقه وتحريره وَحفظه وَتَقْرِيره هُوَ أَن مَا وَقع فِي كَلِمَات بعض الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين من أَئِمَّة الصُّوفِيَّة مِمَّا يُوهم حلولا واتحادا لَيْسَ مُرَادهم ذَلِك بِالنِّسْبَةِ لأحوالهم واصطلاحهم وَمن ثمَّ قَالَ الْعَلامَة الْمُحَقق زِمَام الْمُتَأَخِّرين فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة والنقلية السعد التَّفْتَازَانِيّ أَن السالك إِذا انْتهى سلوكه إِلَى الله تَعَالَى أَي إِلَى مرتبَة من قربه وشهوده وَفِي الله تَعَالَى أَي وَفِي بُلُوغ رِضَاهُ وَمَا يؤمله من حَضرته الْعلية يسْتَغْرق فِي بحار التَّوْحِيد والعرفان بِحَيْثُ تضمحل أَي بِاعْتِبَار الشُّهُود لَا الْحَقِيقَة ذَاته فِي ذَاته وَصِفَاته فِي صِفَاته ويغيب عَن كل مَا سواهُ وَلَا يرى فِي الْوُجُود إِلَّا الله تَعَالَى قَالَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يسمونه الفناء فِي التَّوْحِيد وَإِلَيْهِ يُشِير الحَدِيث الإلهي لَا يزَال عَبدِي يتَقرَّب إِلَيّ بالنوافل حَتَّى أحبه فَإِذا أحببته كنت سَمعه يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ وَيَده الَّتِي يبطش بهَا الحَدِيث وَحِينَئِذٍ رُبمَا يصدر