من صوف وَكسَاء من صوف وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ لقد أدْركْت سبعين بَدْرِيًّا لباسهم الصُّوف قَالَ اليافعي وَهَذَا القَوْل الثَّالِث هُوَ الْمُنَاسب للاشتقاق اللّغَوِيّ أَعنِي بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصُّوف وَقيل أصل هَذَا الِاسْم صوفي من الصَّفَا أَو من المصافاة وَبَين الْعَارِف الشهَاب السهروردي وَقت حُدُوث هَذَا الِاسْم فَقَالَ مَا حَاصله لم يكن هَذَا الِاسْم فِي زمن رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَالَ كَانَ فِي زمن التَّابِعين وَنقل عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ رَأَيْت صوفيا فِي المطاف فأعطيته شيأ فَقَالَ معي أَرْبَعَة دوانق تكفيني وَنَحْوه مَا جَاءَ عَن سُفْيَان الثَّوْريّ لَوْلَا أَبُو هَاشم الصُّوفِي مَا عرفت دقائق الرِّيَاء وَقيل لم يعرف هَذَا الِاسْم إِلَى الْمِائَتَيْنِ من الْهِجْرَة لِأَن من رأى النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - أَحَق باسم الصَّحَابِيّ لشرفه على كل وصف وَمن رأى الصَّحَابَة وَأخذ عَنْهُم الْعلم أَحَق باسم التَّابِعِيّ لذَلِك ثمَّ لما بعد عهد النُّبُوَّة وتوارى نورها وَاخْتلفت أَيْضا الآراء وكدر شرب الْعُلُوم شرب الأهوية وتزعزت أبنية الْمُتَّقِينَ واضطربت عزائم الزاهدين وغلبت الجهالات وكثف حجابها وَكَثُرت الْعَادَات وتملكت أَرْبَابهَا وتزخرفت الدُّنْيَا وَكثر خطابها تفرد طَائِفَة بأعمال صَالِحَة وأحوال سنية واغتنموا الْعُزْلَة وَاتَّخذُوا لنفوسهم زَوَايَا يَجْتَمعُونَ فِيهَا تَارَة وَيغْفر دون أُخْرَى أُسْوَة أهل الصّفة تاركين للأسباب مبتهلين إِلَى رب الأرباب فأثمر لَهُم صَالح الْأَعْمَال سني الْأَحْوَال وتهيأ صفاء الفهوم لقبُول الْعُلُوم وَصَارَ لَهُم بعد اللِّسَان لِسَان وَبعد الْعرْفَان عرفان وَبعد الْإِيمَان إِيمَان كَمَا قَالَ حَارِثَة أَصبَحت مُؤمنا حَقًا لما كوشف بمرتبة فِي الْإِيمَان غير مَا عهد فَصَارَ لَهُم بِمُقْتَضى ذَلِك عُلُوم يعرفونها وإشارات يعهدونها فحزر والنفوسهم اصْطِلَاحَات تُشِير إِلَى معارف يعرفونها وتعرب عَن أَحْوَال يجدونها فَأخذ ذَلِك الْخلف من السّلف حَتَّى صَار ذَلِك رسما مستمرا وَخيرا مُسْتَقرًّا فِي كل عصر وزمان فَظهر هَذَا الِاسْم بَينهم وتسموا بِهِ فالاسم سمتهم وَالْعلم بِاللَّه صفتهمْ وَالْعِبَادَة حليتهم وَالتَّقوى شعارهم وحقائق الْحَقِيقَة أسرارهم انْتهى وَسَبقه الْقشيرِي فِي رسَالَته إِلَى أَكثر من ذَلِك فَإِنَّهُ قَالَ مَا حَاصله اعلموا أَن الْمُسلمين بعد رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتسم أفاضلهم فِي عصرهم بِتَسْمِيَة علم سوى الصَّحَابَة إِذْ لَا أَفضَلِيَّة فَوْقهَا ثمَّ سمى من أدركهم التَّابِعين ثمَّ من أدركهم تَابِعِيّ التَّابِعين ثمَّ تباينت الْمَرَاتِب فَقيل لخواص النَّاس من لَهُم شدَّة عناية بِأَمْر الدّين الزهاد والعباد ثمَّ ظَهرت الْبدع وَحصل التداعي من الْفرق فَكل فريق ادعوا أَن فيهم زهدا فَانْفَرد خَواص أهل السّنة المراعون أنفاسهم مَعَ الله تَعَالَى الحافظون قُلُوبهم عَن طوارق الْغَفْلَة باسم التصوف واشتهر هَذَا الِاسْم لهَؤُلَاء الأكابر قبل الْمِائَتَيْنِ من الْهِجْرَة انْتهى قَالَ الإِمَام الشهَاب السهروردي وَمِمَّنْ انْتَمَى إِلَى الصُّوفِيَّة وَلَيْسَ مِنْهُم قوم يسمون أنفسهم قلندرية تَارَة وملامتية أُخْرَى قَالَ وَقد ذكرنَا حَال الملامتية وَإنَّهُ حَال شرِيف ومقام عَزِيز وَتمسك بالسنن والْآثَار وَتحقّق بالإخلاص والصدق وَلَيْسَ مِمَّا يزْعم المفتونون بِشَيْء وَأما القلندرية فهم أَقوام ملكهم سكر طيبَة الْقُلُوب حَتَّى خرقوا الْعَادَات وطرحوا التَّقْلِيد بآداب المجالسات وساحوا فِي ميادين طيبَة الْقُلُوب فَقلت أَعْمَالهم من الصَّلَاة وَالصَّوْم إِلَّا الْفَرَائِض وَلم يبالوا بتناول شَيْء من لذات الدُّنْيَا الْمُبَاحَة بِرُخْصَة الشَّرْع وَرُبمَا اقتصروا على رِعَايَة الرُّخْصَة وَلم يطلبوا حقائق الْعَزِيمَة وَمَعَ ذَلِك يتمسكون بترك الادخار وَترك الْجمع والاستكثار وَلَا يتوسمون بوسم المتقشفين والمتزهدين والمتعبدين وقنعوا بِطيب قُلُوبهم مَعَ الله تَعَالَى وَلم يتطلبوا إِلَى طلب مزِيد سواهَا وَالْفرق بَين الملامتي والقلندري أَن الأول بَالغ مَعَ تمسكه بِأَبْوَاب الْخَيْر وَالْبر وبذله الْجهد فِي ذَلِك وَطلب الْمَزِيد فِي كتم الْعِبَادَة وَالْأَحْوَال حَتَّى ترقى بالعلوم فِي كل أَحْوَاله حَتَّى لَا يفْطن بِهِ وَالثَّانِي يُبَالغ فِي تَحْرِير الْعِبَادَات غير متقيد بهيئة وَلَا يُبَالِي بِمَا يعرف من أَحْوَاله أَو يجهل وَلَيْسَ رَأس مَاله إِلَّا طيبَة قلبه وَأما الصُّوفِي فَهُوَ الَّذِي يضع كل شَيْء مَوْضِعه وَيُدبر أوقاته وأحواله كلهَا بِالْعلمِ يُقيم الْخلق مقَامه وَيُقِيم أَمر الْحق مقَامه وَيسْتر مَا يَنْبَغِي ستره وَيظْهر مَا يَنْبَغِي إِظْهَاره كل ذَلِك مَعَ حُضُور عقل وَصِحَّة تَوْحِيد وَكَمَال معرفَة ورعاية صدق وأخلاق وَوَقع لقوم مفتونين أَنهم سموا أنفسهم ملامتية ولينسبوا لبس الصُّوفِيَّة لنسبوا إِلَيْهِم وَلَيْسوا مِنْهُم فِي شَيْء بل فِي غرور وباطل وَغلط يتسترون بِلبْس الصُّوفِيَّة توقيا تَارَة وَدَعوى أُخْرَى وَبَعض