هَؤُلَاءِ ينهجون مَنْهَج أهل الْإِبَاحَة ويزعمون أَن ضمائرهم خلصت إِلَى الله وَأَن الترسم بمراسم الشَّرِيعَة رُتْبَة الْعَوام وَهَذَا هُوَ عين الْإِلْحَاد والزندقة إِذْ كل حَقِيقَة ردتها الشَّرِيعَة زندقة وَبَعْضهمْ يَقُول بالحلول ويزعمون أَن الله تَعَالَى حل فيهم وَيحل فِي أجسامهم مصطفيها ويسبق إِلَى فهومهم معنى من النَّصَارَى فِي اللاهوت والناسوت تَعَالَى الله أَن يحل فِي شَيْء أَو يحل بِهِ شَيْء وَمِنْهُم من يسْتَحل النّظر إِلَى المستحسنات إِشَارَة إِلَى هَذَا الْوَهم وَبَعْضهمْ يَزْعمُونَ أَنهم مَجْبُورُونَ على الْأَشْيَاء لَا فعل لَهُم مَعَ الله ويسترسلون فِي الْمعاصِي وكل مَا تَدْعُو إِلَيْهِ النُّفُوس ويركنون إِلَى البطالة ودوام الْغَفْلَة والاغترار بِاللَّه وَالْخُرُوج من الْملَّة وَترك الْحُدُود وَالْأَحْكَام والحلال وَالْحرَام وَقد سُئِلَ سهل رَضِي الله عَنهُ عَن رجل يَقُول أَنا كالباب لَا أتحرك إِلَّا إِذا حرك فَقَالَ هَذَا لَا يَقُوله إِلَّا أحد رجلَيْنِ إِمَّا صديق إِشَارَة إِلَى أَن قوم الْأَشْيَاء بِاللَّه مَعَ أَحْكَام الْأُصُول ورعاية حُدُود الْعُبُودِيَّة وَإِمَّا زنديق إِحَالَة للإشياء على الله وإسقاطا للوم عَن نَفسه وانخلاعا عَن الدّين ورسمه وَبَعْضهمْ رُبمَا كَانَ ذَا ذكاء وفطنة غريزية وَيكون قد سمع كَلِمَات تعلّقت بباطنه فيتألف لَهُ من بَاطِنه كَلِمَات ينسبها إِلَى الله تَعَالَى وَأَنَّهَا مكالمة الله إِيَّاه مثل أَن يَقُول قَالَ لي وَقلت لَهُ وَهَذَا رجل جَاهِل بِنَفسِهِ وحديثها وبربه وبكيفية بَيَان المكالمة والمحادثة أَو عَالم بطلَان مَا يَقُوله وَإِنَّمَا يحملهُ هَوَاهُ على الدَّعْوَى بذلك ليوهم أَنه قد ظفر بِشَيْء وكل هَذَا ضلال وَسبب تجريه مَا سَمعه من كَلَام بعض الْمُحَقِّقين عَن مخاطبات وَردت عَلَيْهِم بعد طول معاملات لَهُم ظَاهِرَة وباطنة وتمسكهم بأصول الْقَوْم من صدق التَّقْوَى وَكَمَال الزّهْد فِي الدُّنْيَا فَلَمَّا صفت أسرارهم تشكلت فِي سرائرهم مخاطبات مُوَافقَة للْكتاب وَالسّنة مفهوما عِنْد أَهله مُوَافقا للْعلم وَيكون ذَلِك مُنَاجَاة لسرائرهم ومناجاة سرائرهم إيَّاهُم فيثبتون لأَنْفُسِهِمْ مقَام الْعُبُودِيَّة ولمولاهم الربوبية فيضيفون مَا يجدونه إِلَى نُفُوسهم وَإِلَى مَوْلَاهُم وهم مَعَ ذَلِك عالمون بِأَن ذَلِك لَيْسَ بِكَلَام الله وَإِنَّمَا هُوَ علم حَادث أحدثه الله فِي بواطنهم فطريق الأصحاء فِي ذَلِك الْفِرَار إِلَى الله تَعَالَى من كل مَا تحدث نُفُوسهم بِهِ حَتَّى إِذا بَرِئت ساحتهم من الْهوى ألهموا فِي بواطنهم شيأ ينسبونه إِلَى الله تَعَالَى نِسْبَة الْحَادِث إِلَى الْمُحدث لَا نِسْبَة الْكَلَام إِلَى الْمُتَكَلّم ليصانوا عَن الزيغ والتحريف انْتهى حَاصِل كَلَامه رَضِي الله عَنهُ وَحَاصِله أَن هَذَا يرجع إِلَى الإلهام الَّذِي قَالَه السَّادة الصُّوفِيَّة أَنه حجَّة لتوفر قَرَائِن عِنْد من وَقع لَهُ تقضي بحقيته وَأَنه لَيْسَ من الخواطر النفسانية فِي شَيْء قطعا وَخَالفهُم الْفُقَهَاء والأصوليون فِيهِ لَا لإنكاره من أَصله كَيفَ والْحَدِيث الصَّحِيح إِن فِي أمتِي 2 محدثون أَو ملهمون وَمِنْهُم عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ بل لِئَلَّا يَدعِيهِ ويحتج بِهِ من لَيْسَ من أَهله وَلِأَنَّهُ لَا ثِقَة بخواطر غير الْمَعْصُوم فَرُبمَا يخْطر لَهُ فِي حَدِيث نَفسه أَنه إلهام وزين لَهُ الشَّيْطَان ذَلِك بمخايل يظهرها لَهُ فيظن صدقهَا فيعتقد حقية ذَلِك الْوَارِد 5 وَفِي الْحَقِيقَة لَيْسَ هُوَ وَارِد حق وَإِنَّمَا هُوَ حَدِيث نفس وخاطر شيطاني حمله عَلَيْهِ عدم جَرَيَانه على قوانين الاسْتقَامَة وَالْقِيَام بالعبودية على وَجههَا الْأَكْمَل فَلَمَّا كَانَ للنَّفس والهوى والشيطان دخل فِي تَزْيِين ذَلِك والتلبيس فِيهِ رأى الْفُقَهَاء والأصوليون أَن الْمصلحَة للنَّاس المتكلفة بسلامتهم من تغرير الشَّيْطَان والوقوع فِي هفوة الطغيان قطعهم عَن الِاحْتِجَاج بالإلهامات وَأَن ذَلِك بَاب يجب سَده على النَّاس لِئَلَّا يَتَرَتَّب على فَتحه لَهُم من الْمَفَاسِد مَا لَا يُحْصى وَأما الْفرق بَين التصوف والفقر والزهد فَهُوَ كَمَا قَالَ الإِمَام الشهَاب السهروردي هُوَ أَن التصوف اسْم جَامع لمعاني الْفقر ومعاني الزّهْد مَعَ مزِيد وإضافات لَا يكون الرجل بِدُونِهَا صوفيا وَإِن كَانَ زاهدا فَقِيرا بل قيل نِهَايَة الْفقر مَعَ شرفه بداية التصوف قَالَ وَأهل الشَّام لَا يفرقون بَين الْفُقَرَاء والصوفية فِي قَوْله عز وَجل {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله لَا يَسْتَطِيعُونَ ضربا فِي الأَرْض} الْآيَة وَالْحق أَن بَينهمَا فرقا لِأَن الْفَقِير متمسك بفقره مُؤثر لَهُ على الْغنى لعلمه بفضائله الَّتِي مِنْهَا أَن الْفُقَرَاء يدْخلُونَ الْجنَّة قبل الْأَغْنِيَاء بِخَمْسِمِائَة عَام فَهُوَ لملاحظة الْعِوَض الْبَاقِي معرض عَن الْحَاصِل الفاني وَهَذَا عين الاعتلال فِي طَرِيق الصُّوفِيَّة لِأَنَّهُ يتطلع إِلَى الأعواض وَلم يتْرك الْغنى إِلَّا لأَجلهَا والصوفي يتْرك الْأَشْيَاء لَا للأعواض الموعودة بل للأحوال الْمَوْجُودَة فَإِنَّهُ ابْن وقته وَأَيْضًا الْفَقِير ترك الْحَظ العاجل اخْتِيَار أَمنه وَإِرَادَة الِاخْتِيَار والإرادة عِلّة فِي حَال الصُّوفِي لِأَن الصُّوفِي صَار قَائِما فِي الْأَشْيَاء بِإِرَادَة الله تَعَالَى لَا بِإِرَادَة نَفسه فَلَا يرى فَضِيلَة فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015