فَذَهَبت أَنا وَالشَّيْخ مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ إِلَى شيخ الْإِسْلَام فَلَمَّا قربنا من مَحَله قلت للشَّيْخ الْجُوَيْنِيّ لَا بَأْس أَن أذكر لشيخ الْإِسْلَام مسئلة القطب وَمن دونه وَنَنْظُر مَا عِنْده فِيهَا فَلَمَّا وصلنا إِلَيْهِ أقبل على الشَّيْخ الْجُوَيْنِيّ وَبَالغ فِي إكرامه وسؤال الدُّعَاء مِنْهُ ثمَّ دَعَا إِلَيّ بدعوات مِنْهَا اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَكَانَ كثيرا مَا يَدْعُو لي بذلك فَلَمَّا تمّ كَلَام الشَّيْخ وَأَرَادَ الْجُوَيْنِيّ الِانْصِرَاف قلت لشيخ الْإِسْلَام يَا سَيِّدي القطب والأوتاد والنجباء والأبدال وَغَيرهم مِمَّن يذكرهُ الصُّوفِيَّة هَل هم موجودون حَقِيقَة فَقَالَ نعم وَالله يَا وَلَدي فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي إِن الشَّيْخ وأشرت إِلَى الشَّيْخ الْجُوَيْنِيّ يُنكر ذَلِك ويبالغ فِي الرَّد على من ذكره فَقَالَ شيخ الْإِسْلَام هَكَذَا يَا شيخ مُحَمَّد وَكرر ذَلِك عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ لَهُ الشَّيْخ مُحَمَّد يَا مَوْلَانَا شيخ الْإِسْلَام آمَنت بذلك وصدقت بِهِ وَقد تبت فَقَالَ هَذَا هُوَ الظَّن بك يَا شيخ مُحَمَّد قمنا وَلم يعاتبني الْجُوَيْنِيّ على مَا صدر مني وَنَظِير هَذِه الْوَاقِعَة من بعض وَجههَا مَا وَقع لي وعمري نَحْو ثَمَانِيَة عشر سنة مَعَ بعض مَشَايِخنَا أَيْضا وَهُوَ شيخ الْإِسْلَام الشَّمْس الدلجى وَكَانَ أعْطى فِي الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والعقلية من متانة التصنيف وَقُوَّة السبك مَا لم يُعْطه أحد من أهل زَمَانه كُنَّا نَقْرَأ عَلَيْهِ ذَات يَوْم فِي شرح التَّلْخِيص للسعد التَّفْتَازَانِيّ وَفِي كتاب صنفه الشَّيْخ فِي أصُول الدّين فَوَقع ذكر الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عمر بن الفارض رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْمجْلس فبادر الشَّيْخ وَقَالَ قَاتله الله مَا أكفره كَيفَ وَكَلَامه ينْطق بالحلول والاتحاد وَأما شعره فَفِي الذورة الْعليا فَقلت لَهُ من بَين الْحَاضِرين حاشاه الله من الْكفْر وَمن الْحُلُول والاتحاد فَأَغْلَظ الشَّيْخ فِي الْإِنْكَار عَليّ وَعَلِيهِ فأغلظت فِي جَوَابه وَكَانَ بالشيخ مرض بِضيق النَّفس وَكَانَ قد أخبرنَا أَن لَهُ مُدَّة مديدة لَا يقدر على وضع جنبه على الأَرْض لَيْلًا وَلَا نَهَارا فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي أَنا ألتزم لَك إِنَّك إِن رجعت عَن إنكارك على الشَّيْخ عمر بن الفارض وَابْن عَرَبِيّ وتابعيهما بَرِئت من هَذَا الدَّاء العضال فَقَالَ هَذَا لَا يَصح فَقلت صدقُوا قولي بِالرُّجُوعِ عَن ذَلِك مُدَّة يسيرَة فَإِن ذهب وَإِلَّا فَأنْتم تعرفُون مَا ترجعون إِلَيْهِ فَقَالَ يُمكن أَن نجرب ثمَّ أظهر لنا الرُّجُوع وَالتَّوْبَة فانصلح حَاله وخف مَرضه مُدَّة مديدة وَكنت أَقُول لَهُ يَا سَيِّدي صحت ضمانتي فيضحك وَيُعْجِبهُ ذَلِك وَفِي تِلْكَ الْمدَّة مَا سمعنَا مِنْهُ عَن هَذِه الطَّائِفَة إِلَّا خيرا ثمَّ عَاد فَعَاد لَهُ بعد ذَلِك الْمَرَض بأشد مَا كَانَ وَأتبعهُ فاذيق ألم ذَلِك الْمَرَض وَاسْتمرّ يشْتَد عَلَيْهِ بعد ذَلِك نَحْو عشْرين سنة حَتَّى مَاتَ وَهُوَ على حَاله (وَسُئِلَ) نفع الله بِهِ مَا حد التصوف والصوفي وَلم سمي بذلك وَمَتى حدثت هَذِه التَّسْمِيَة وَمَا الْفرق بَين الصُّوفِي وَغَيره من الْفرق المنتمية للصوفية وَمَا الْفرق بَين التصوف والفقر والزهد وَبَين الصُّوفِي والمتصوف والمتشبه (فَأجَاب) بقوله اخْتلفت عبارَة العارفين فِي حَده على أَكثر من ألف قَول نظرا إِلَى شُرُوطه وآدابه وغاياته وثمراته فحده سيد الطَّائِفَة الْجُنَيْد رَضِي الله عَنهُ بِأَن يكون مَعَ الله بِلَا علاقَة وَبِأَن يُمِيتك الْحق عَنْك ويحييك بِهِ وَبِأَنَّهُ ذكر مَعَ اجْتِمَاع وَوجد مَعَ اسْتِمَاع وَعمل مَعَ اتِّبَاع وَأَبُو مُحَمَّد رُوَيْم بِأَنَّهُ استرسال النَّفس مَعَ الله على مَا يُريدهُ وَأَبُو مَحْفُوظ مَعْرُوف الْكَرْخِي بِأَنَّهُ الْأَخْذ بالحقائق واليأس مِمَّا فِي أَيدي الْخَلَائق وَأَبُو عَليّ الرُّوذَبَارِي بِأَنَّهُ الإناخة على بَاب الحبيب وَإِن طرد وَأَبُو مُحَمَّد الحريري بِأَنَّهُ التحلي بِكُل خلق حسن سني والتخلي عَن كل خلق دنئ وَاخْتلفت عبارتهم فِي حد الصُّوفِي نظرا لذَلِك فحده الْجُنَيْد بِأَنَّهُ كالأرض يطْرَح عَلَيْهَا كل قَبِيح وَلَا يخرج مِنْهَا إِلَّا كل مليح وَكَانَ الْأُسْتَاذ أَبُو عَليّ الدقاق شرح ذَلِك بقوله أحسن مَا قيل فِي هَذَا الْبَاب قَول من قَالَ هَذَا طَرِيق لَا يصلح إِلَّا لأقوام كنست بأرواحهم الْمَزَابِل وَأَبُو مُحَمَّد سهل بن عبد الله بِأَنَّهُ من صفا من الكدر وتسل عَن الْكفْر وَانْقطع إِلَى الله عَن الْبشر واستوى عِنْده الذَّهَب والمدر وَذُو النُّون بِأَنَّهُم قوم آثروا الله على كل شَيْء فآثرهم على كل شَيْء وَاخْتلفُوا أَيْضا فِي الْمَنْسُوب إِلَيْهِ فَقيل نسب للصفة الَّتِي كَانَت بِمَسْجِد النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - لفقراء الْمُهَاجِرين وَقيل إِلَى الصَّفّ الأول بَين يَدي الله عز وَجل بارتفاع هممهم وإقبالهم على الله بقلوبهم وَقيل إِلَى الصُّوف لِأَنَّهُ لباسهم غَالِبا لكَونه أقرب إِلَى الخمول والتواضع والزهد ولكونه لِبَاس الْأَنْبِيَاء - صلى الله عليه وسلم - وَقد جَاءَ أَن نَبينَا - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يركب الْحمار ويلبس الصُّوف وَفِي حَدِيث مر بالصخرة من الروحاء سَبْعُونَ نَبيا حُفَاة عَلَيْهِم العباءة يؤمُّونَ الْبَيْت الْحَرَام وَفِي آخر يَوْم كلم الله مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ عَلَيْهِ جُبَّة من الصُّوف وَسَرَاويل