لمَيت فَهَذَا دُعَاء بِحُصُول ذَلِك الْأجر للْمَيت فنفع الْمَيِّت. وَقَالَ فِي (الْأَذْكَار) الْمُخْتَار أَن يَدْعُو بالجعل فَيَقُول اللهمّ اجْعَل ثَوَابهَا واصلاً لفُلَان. وَاعْلَم أَن الْقُدْرَة الإلهية مهما تتَعَلَّق بِشَيْء يكون لَا محَالة، وَقد قرر فِي علم الْكَلَام أَن قدرته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا تتناهى وَأَيْضًا فَخير الله لَا ينْفد، والكامل المترقي فِي دَرَجَات الْكَمَال هُوَ أبدا كَامِل انْتهى، وَهُوَ غَايَة فِي التَّحْرِير والتنقيح وَوَافَقَهُ صَاحبه شيخ الْإِسْلَام الشّرف الْمَنَاوِيّ فَأفْتى باستحسان هَذَا الدُّعَاء واستند إِلَى قَول الْمِنْهَاج وزاده فضلا وشرفاً لَدَيْهِ، وَوَافَقَهُمَا أَيْضا صَاحبهمَا إِمَام الْحَنَفِيَّة الْكَمَال ابْن الْهمام بل زَاد عَلَيْهِمَا بالمبالغة فِي رفْعَة شَأْنه أَي شَأْن هَذَا الدُّعَاء حَيْثُ جعل كل مَا صَحَّ فِي الكيفيات الْوَارِدَة فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَوْجُودا فِي كَيْفيَّة الدُّعَاء بِزِيَادَة الشّرف، وَمن جُمْلَتهَا وَهِي: اللَّهُمَّ صل أبدا أفضل صلواتك على سيدنَا مُحَمَّد عَبدك وَنَبِيك وَرَسُولك مُحَمَّد وَآله وَسلم عَلَيْهِ تَسْلِيمًا كثيرا، وزده شرفاً وتكريماً، وأنزله الْمنزل المقرب عنْدك يَوْم الْقِيَامَة انْتهى. فَانْظُر كَيفَ جعل الكيفيات الفاضلة للصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَصَلَاة التَّشَهُّد وَمَا اشْتَمَلت عَلَيْهِ من كَثْرَة طرقها وكصلاة أُخْرَى مَوْجُودَة فِي تِلْكَ الْكَيْفِيَّة الْمُشْتَملَة على وزِدّه تَشْرِيفًا وتكريماً وَجعل طلب هَذِه الزِّيَادَة من الْأَسْبَاب الْمُقْتَضِيَة لفضل هَذِه الْكَيْفِيَّة واشتمالها على مَا فِي الكيفيات الْوَارِدَة عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا تَصْرِيح من هَذَا الإِمَام الْمُحَقق بِفضل طلب الزِّيَادَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكيف مَعَ هَذَا يتَوَهَّم أَن فِي ذَلِك محذوراً، وَوَافَقَهُمْ أَيْضا صَاحبهمْ شَيخنَا شيخ الْإِسْلَام أَبُو يحيى زَكَرِيَّا الْأنْصَارِيّ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَن واعظ قَالَ: لَا يجوز بِالْإِجْمَاع لقارىء الْقُرْآن والْحَدِيث أَن يهدي مثل ثَوَاب ذَلِك فِي صَحَائِف سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه أفتى المتقدمون والمتأخرون، فَأجَاب: بِأَن مَا ادَّعَاهُ هَذَا الْوَاعِظ الْقَلِيل الْمعرفَة يسْتَحق بِسَبَبِهِ التَّعْزِير الْبَالِغ بِحَسب مَا يرَاهُ الْحَاكِم من نَحْو حبس أَو ضرب ويثاب زاجره وَيَأْثَم مساعده على ذَلِك. وَهَا أَنا أذكر ذَلِك مفصلا، فَأَما مَا ادَّعَاهُ من أَنه لَا يجوز إهداء الْقُرْآن للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَالْحق خِلَافه بل يجوز ذَلِك وَالْعجب مِنْهُ كَيفَ سَاغَ لَهُ دَعْوَى إِجْمَاع الْمُسلمين وإفتاء الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين على عدم الْجَوَاز وَهل هَذَا إِلَّا مجازفة فِي دين الله تَعَالَى فَإِن جَوَازه كَمَا ترى شَائِع ذائع فِي الْأَعْصَار والأمصار. فَإِن قلت: الدُّعَاء بِالزِّيَادَةِ فِي شرفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُمْتَنع لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنه متصف بضدها حَتَّى يطْلب لَهُ الزِّيَادَة وَهُوَ محَال فِي حَقه. قلتُ: إعلم يَا أخي وفقني الله وَإِيَّاك، أَن نَبينَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هُوَ أشرف الْمَخْلُوقَات وأكملهم فَهُوَ فِي كَمَاله وزيادته أبدا مترق من كَمَال إِلَى كَمَال إِلَى مَا لَا يعلم كنهه إِلَّا الله تَعَالَى، وَلَا محَال فِي تزايد كَمَاله وترقيه بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَفسه بعد كَونه أكمل الْمَخْلُوقَات، وَنحن نطلب لَهُ الزِّيَادَة فِي الْكَمَال إِلَى تِلْكَ الدرجَة الَّتِي لَا يعلم كنهها إِلَّا الله، وَفَائِدَة طلبنا لَهُ ذَلِك مَعَ أَنه حَاصِل لَهُ لَا محَالة بوعد الله تَعَالَى أُمُور: مِنْهَا: إِظْهَار شرفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَمَال مَنْزِلَته وعظيم حَقه وَرفع ذكره وتوقيره. وَمِنْهَا: مجازاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقد أحسن إِلَى جَمِيع النَّاس بهدايتهم إِلَى الدّين القويم. وَمِنْهَا: حُصُول الثَّوَاب لنا كَسَائِر الْعِبَادَات وَيزِيد اطلاعاً على مَا ذَكرْنَاهُ مَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَجود النَّاس وَكَانَ أَجود مَا يكون فِي رَمَضَان حِين يلقاه جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام) فَانْظُر إِلَى ذَلِك وَتَأمل فَإِنَّهُ تَخْصِيص بعد تَخْصِيص على سَبِيل الترقي ففضل أَولا جوده على النَّاس كلهم، وَثَانِيا جوده فِي رَمَضَان على جوده فِي سَائِر أوقاته، وثالثاً جوده عِنْد لِقَاء جِبْرِيل على جوده فِي رَمَضَان مُطلقًا، فَفِيهِ تزايد وتفاضل بِاعْتِبَار نَفسه على سَبِيل الترقي، فَاعْتبر مَا نَحن فِيهِ بِهَذَا؛ وَنَظِير مَا نَحن فِيهِ فِي طلب الزِّيَادَة اللهمّ زد هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا فِي حق بَيت الله الْحَرَام فَإِن الدُّعَاء بِزِيَادَة التشريف مَأْمُور بِهِ وَلم يقل أحد إِن ذَلِك مُمْتَنع انْتهى كَلَامه رَحمَه الله، وَهُوَ غَايَة فِي التَّحْقِيق والإتقان شكر الله سَعْيه فَتَأَمّله، واقض بِهِ وَبِمَا قبله على هَذَا الْمُعْتَرض بِالْجَهْلِ والمجازفة والتهور والمبادرة بِمَا لَا يسوغ إِنْكَاره وبالخروج عَن سنَن المهتدين إِلَى وصمات الْمُعْتَدِينَ، حَيْثُ ارْتقى عَن إِنْكَار الْمُبَاح بل الْحسن كَمَا مرّ عَن غير وَاحِد إِلَى جعله كفرا فَهَل هَذَا إِلَّا مجازفة فِي دين الله وافتراء عَلَيْهِ فَعَلَيهِ عُقُوبَة ذَلِك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وروى الطَّبَرَانِيّ بِسَنَد مَوْقُوف نظر فِيهِ ابْن كثير عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ: أَنه كَانَ يعلم النَّاس الصَّلَاة عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَقُول