دُعَاء طَويلا من جملَته: اللَّهُمَّ افسح لَهُ فِي عدنك وأجزه مضاعفات الْخَيْر من فضلك، مُهنِّئات لَهُ غير مكدِّرات، وَمن نول ثوابك المحلول، وجزيل عطائك الْمَعْلُول، اللَّهم أعْلِ على بِنَاء النَّاس بناءَه وَأكْرم مثواه لديك ونزله، وتمم لَهُ نوره واجزه من انبعاثك لَهُ مَقْبُول الشَّهَادَة مرضِي الْمقَالة ذَا منطق عدل وخطة فصل وبرهان عَظِيم انْتهى. وَهُوَ صَرِيح فِي طلب الزِّيَادَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وعدنك جنَّة عدن وعطائك الْمَعْلُول من العل وَهُوَ الشّرْب بعد الشّرْب، يُرِيد أَن عطاءه مضاعف كَأَنَّهُ يعل بِهِ أَي يُعْطِيهِ عَطاء بعد عَطاء وأعل على بِنَاء النَّاس أَي البانين كَمَا فِي رِوَايَة بناه أَي ارْفَعْ فَوق أَعمال العاملين عمله ومثواه منزله ونزله رزقه وخطة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة الْقِصَّة والفصل الْقطع.

وَإِذا جوز جُمْهُور الْعلمَاء كَمَا قَالَه القَاضِي عِيَاض وَغَيره أَن يُقَال رحم الله مُحَمَّدًا وَلم يبالوا بقول جمع لَا يجوز لِأَن الرَّحْمَة غَالِبا إِنَّمَا تكون لفعل مَا يلام لِأَنَّهُ مُخَالف لما صَحَّ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عدَّة أَحَادِيث أصَحهمَا فِي التَّشَهُّد السَّلَام عَلَيْك أَيهَا النَّبِي ورحمه الله وَبَرَكَاته. وَمِنْهَا إِقْرَاره صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للأعرابي الْقَائِل: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَارْحَمْ مُحَمَّدًا، وَإِنَّمَا أنكر قَوْله وَلَا ترحم مَعنا أحدا بقوله: (لقد تحجرت وَاسِعًا) . وَفِي حَدِيث فِي سَنَده مَجْهُول وَبَقِيَّة رِجَاله رجال الصَّحِيح (وترحم على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَمَا ترحمت على إِبْرَاهِيم وعَلى آل إِبْرَاهِيم) فَلِأَن يجوز الدُّعَاء بِالزِّيَادَةِ من بَاب أولى لِأَن طلبَهَا لَا يشْعر بِمَا يشْعر بِهِ طلب الرَّحْمَة. وَفِي (فتح الْبَارِي) قَالَ أَبُو الْعَالِيَة: معنى صَلَاة الله على نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عِنْد الْمَلَائِكَة وَمعنى صَلَاة الْمَلَائِكَة عَلَيْهِ الدُّعَاء وَهَذَا أولى الْأَقْوَال فَيكون معنى سَلام الله تَعَالَى عَلَيْهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وتعظيمه وَمعنى صَلَاة الْمَلَائِكَة وَغَيرهم طلب ذَلِك لَهُ من الله تَعَالَى وَالْمرَاد طلب الزِّيَادَة لَا أصل الصَّلَاة انْتهى. وَهُوَ صَرِيح فِي أَن صَلَاتنَا عَلَيْهِ طلب الزِّيَادَة لَهُ من الله تَعَالَى وَأَن ذَلِك لَا مَحْذُور فِيهِ وَكَيف لَا وَقد طلب صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الزِّيَادَة فِي دُعَائِهِ إِذْ فِي بعض حَدِيث مُسلم فِي دُعَائِهِ (وَاجعَل الْحَيَاة لي زِيَادَة فِي كل خير) وَقد أمره الله تَعَالَى بِطَلَب الزِّيَادَة فِي الْعلم بقوله عز قَائِلا: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً} [طه: 114] لَو كَانَ طلب الزِّيَادَة يشْعر بِمَا توهمه هَذَا الْمُنكر الغبي الْجَاهِل لما دَعَا بهَا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلما أمره الله بطلبها فَدلَّ ذَلِك على جَوَاز الدُّعَاء لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالزِّيَادَةِ فِي شرفه بل على ندب ذَلِك واستحسانه فَهُوَ الْحق فاعتمده وَلَا تغتر بِخِلَافِهِ. وَأما قَول شيخ الْإِسْلَام ابْن حجر فِي بعض الْمَوَاضِع هَذَا الدُّعَاء مخترع من بعض أهل الْعَصْر وَلَا أصل لَهُ فِي السّنة فَالظَّاهِر أَنه قَالَه قبل اطِّلَاعه على مَا مر عَنهُ مِمَّا هود صَرِيح فِي أَن لَهُ من السّنة أصلا أصيلاً، ثمَّ رَأَيْت ابْن تَيْمِية سبق البُلْقِينِيّ إِلَى مَا مر عَنهُ وَبَالغ السُّبْكِيّ فِي رده عَلَيْهِ فِي ذَلِك فجزاه الله خيرا وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.

11 - وَسُئِلَ رَضِي الله عَنهُ، فِي حَيَّة الدَّار نقتلها أَو نتحول عَنْهَا: فَإِن قُلْتُمْ ثَلَاثًا فَهَل هِيَ أَيَّام أَو سَاعَات؟ وَهل الْحَيَّات فِي ذَلِك سَوَاء كالأفعاء والروَّاز والثُعبان أم يخْتَص التحوّل بِنَوْع مِنْهَا؟ وَهل حَيَّة الْعمرَان كالبستان والبئر الَّتِي يسقى مِنْهَا الزَّرْع وَالْأَشْجَار حكمهَا حكم حَيَّة الدَّار أم لَا؟ وَهل يكره قتل شَيْء مِنْهَا فِي الْموَات أَو فِي الْعمرَان؟ وَكَيف الَّذِي يَقُولُونَهُ إِذا بَدَت لَهُم؟ وَمَا الْعَهْد الَّذِي أَخذه عَلَيْهَا نوح وَسليمَان صلى الله على نَبينَا وَعَلَيْهِمَا وَسلم؟ فَأجَاب نفع الله بِعُلُومِهِ: اعْلَم أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بقتل الْحَيَّات أَمر ندب. روى البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ قَالَ: (كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَار بمنى وَقد نزلت عَلَيْهِ سُورَة {والمرسلات عرفا} فَنحْن نأخذها من فِيهِ رطبَة إِذْ خرجتْ علينا حَيَّة فَقَالَ: اقتلوها فابتدرنا لنقتلها فسبقتنا، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وقاكم الله شَرها كَمَا وقاها شركم) وعداوة الْحَيَّة للْإنْسَان مَعْرُوفَة إِذْ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَن الْخطاب فِي قَوْله تَعَالَى: {اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا} [الْبَقَرَة: 38، 36] لآدَم وحواء وإبليس والحية: وَفِي حَيَاة الْحَيَوَان روى قَتَادَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: (مَا سالمناهن مُنْذُ عاديناهن) . وَقَالَ ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا: من تركهن فَلَيْسَ منا. وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا: من ترك حَيَّة خشيَة من ثارها فَعَلَيهِ لعنة الله وَالْمَلَائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ. وَفِي (مُسْند أَحْمد) عَن النَّبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (من قتل حَيَّة فَكَأَنَّمَا قتل مُشْركًا، وَمن ترك حَيَّة خوف عَاقبَتهَا فَلَيْسَ منا) . وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا: إِن الْحَيَاة مسخ الْجِنّ كَمَا مسخت القردة من بني إِسْرَائِيل، وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَذَلِكَ رَوَاهُ ابْن حبَان هَذَا كُله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015