الْكَعْبَة المعظمة من الدُّعَاء الْوَارِد حينئذٍ وَهُوَ: اللَّهُمَّ زد هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتكريماً وزد من شرفه فَإِنَّهُ صَرِيح فِي ذَلِك بِالدُّعَاءِ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَن الدُّعَاء بِالزِّيَادَةِ لَا يَقْتَضِي ثُبُوت نقص وَبَيَانه أَن فِيهِ الدُّعَاء للكعبة المعظمة بِزِيَادَة التشريف وَهِي قبل هَذَا الدُّعَاء لَا نقص فِيهَا حَتَّى يطْلب بِهَذَا الدُّعَاء جبره، وكأنّ المُرَاد بِالزِّيَادَةِ فِيهِ الزِّيَادَة فِي الْكَمَال الَّذِي لَا غَايَة لَهُ وَكَذَلِكَ الدُّعَاء بِالزِّيَادَةِ فِي شرف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَن هَذَا الْوَارِد يَشْمَلهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَإِن قَوْله فِيهِ وزِدْ مَنْ شرفَّه وعظمَّه وحجَّه واعتمره إِلَخ يَشْمَل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بل سَائِر الْأَنْبِيَاء الَّذين حجُّوا هَذَا الْبَيْت هم الْأَنْبِيَاء كلهم أَو إِلَّا جمَاعَة مِنْهُم على الْخلاف فِي ذَلِك، فَعلمنَا أَنه ورد الدُّعَاء بِالزِّيَادَةِ فِي شرفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَفِي شرف سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَيدل لذَلِك أَيْضا الحَدِيث الْمَشْهُور عَن أُبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: (كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذهب ثلث اللَّيْل قَامَ فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاس اذْكروا الله جَاءَت الراجفة تتبعها الرادفة قد جَاءَ الْمَوْت بِمَا فِيهِ، قَالَ أبيّ فقلتُ: يَا رَسُول الله إِنِّي أَكثر الصَّلَاة عَلَيْك فكم أجعَل لَك من صَلَاتي؟ فَقَالَ: مَا شِئْت، قلتُ: الرّبع، قَالَ: مَا شِئْت، وَإِن زِدْت فَهُوَ خير لَك، قلتُ: أجعَل لَك صَلَاتي كلهَا، قالَ: إِذا تكفى همك وَيغْفر ذَنْبك) . حسنه التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ الْحَاكِم فِي موضِعين من (مُسْتَدْركه) ، وَفِي رِوَايَة (إِذا ذهب ربع اللَّيْل) ، وَفِي أُخْرَى: (قَالَ: يَا رَسُول الله أَرَأَيْت صَلَاتي كلهَا لَك قَالَ: إِذن يَكْفِيك همك من أَمر دنياك وآخرتك) . وَفِي أُخْرَى للبزار: (قَالَ رجل يَا رَسُول الله أجعَل شطر صَلَاتي دُعَاء لَك؟ قَالَ: نعم. قَالَ: فأجعل صَلَاتي كلهَا دُعَاء لَك قَالَ: إِذا يَكْفِيك الله همّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) وَفِي أُخْرَى: (أجعَل لَك نصف دعائي؟ قَالَ: مَا شِئْت؟ قَالَ: الثُّلثَيْنِ، قَالَ: مَا شِئْت، قَالَ: أجعَل دعائي كُله لَك قَالَ: إِذا يَكْفِيك الله همّ الدُّنْيَا وهم الْآخِرَة) وبهذه الرِّوَايَة يعلم أَن المُرَاد بِالصَّلَاةِ فِي الرِّوَايَة الأولى وَمَا بعْدهَا الدُّعَاء وَأَن من فَسرهَا بِالصَّلَاةِ الْحَقِيقِيَّة وَالْمرَاد نفس ثَوَابهَا فقد أبعد بل الْمَعْنى: أَن لي زَمَانا أَدْعُو فِيهِ لنَفْسي فكم أصرف من ذَلِك الزَّمَان للدُّعَاء لَك. فَإِذا تقرّر هَذَا فقد قَالَ شيخ الْإِسْلَام الْحَافِظ ابْن حجر كَمَا نَقله عَنهُ تِلْمِيذه الْحَافِظ السخاوي وَاسْتَحْسنهُ، وَهَذَا الحَدِيث أصل عَظِيم لمن يَدْعُو عقب قِرَاءَته فَيَقُول: اجْعَل ثَوَاب ذَلِك لسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَأما من يَقُول مثل ثَوَاب ذَلِك زِيَادَة فِي شرفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ الْعلم بِكَمَالِهِ فِي الشّرف فَلَعَلَّهُ لحظ أَن معنى طلب الزِّيَادَة فِي شرفه أَن يتَقَبَّل قِرَاءَته فيثيبه عَلَيْهَا. وَإِذا أثيب أحد من الْأمة على فعل طَاعَة من الطَّاعَات كَانَ للَّذي علمه مثل أجره وللمعلم الأول وَهُوَ الشَّارِع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَظِير جَمِيع ذَلِك فَهَذَا معنى الزِّيَادَة فِي شرفه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِن كَانَ شرفه مُسْتَقرًّا حَاصِلا، وَقد ورد فِي القَوْل عِنْد رُؤْيَة الْكَعْبَة اللَّهُمَّ زد هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتكريماً وتعظيماً فَإِذا عرف هَذَا عرف أَن معنى قَول الدَّاعِي اجْعَل مثل ثَوَاب ذَلِك أَي تقبل هَذِه الْقِرَاءَة ليحصل مثل ثَوَاب ذَلِك للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْتهى. وَحَاصِله أَن طلب الزِّيَادَة لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يكون بِنَحْوِ طلب تَكْثِير أَتْبَاعه سِيمَا الْعلمَاء وَرفع درجاته ومراتبه الْعلية كَمَا مر عَن الْحَلِيمِيّ رَحمَه الله وَبِه يرد مَا وَقع فِي فتاوي شيخ الْإِسْلَام البُلْقِينِيّ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّن يَقُول فِي دُعَائِهِ اجْعَل ثَوَاب هَذِه الختمة هَدِيَّة لسيدنا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأجَاب بِمَا حَاصله: ثَوَاب الْقِرَاءَة وَاصل لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ هُوَ الْمبلغ والمبين لَهُ فَلَا حَاجَة لذكر القارىء ذَلِك وَإِن ذكره على نَظِير: اللَّهُمَّ آتٍ سيدنَا مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة والفضيلة إِلَخ لم يمْتَنع بل اللَّائِق أَن لَا يقدم على شَيْء من ذَلِك إِلَّا بِإِذن، وَلَئِن جَاءَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لعمر شَيْئا يتَعَلَّق بِنَحْوِ ذَلِك فلعلمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن عمر رَضِي الله عَنهُ يُرَاعِي الْأَدَب فِي الَّذِي يتَعَلَّق بالنبيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِذا لم يكن الدَّاعِي يُرَاعِي الْأَدَب فَإِنَّهُ لَا يَلِيق أَن يقدم على شَيْء من ذَلِك حَتَّى يعلم طَرِيق الْأَدَب فِيهِ انْتهى. وَأخذ من ذَلِك وَلَده شيخ الْإِسْلَام عَلَم الدّين قَوْله لَا يَنْبَغِي لأحد أَن يقدم فِي دُعَائِهِ على قَوْله اللهمّ اجْعَل ثَوَاب مَا قرأناه زِيَادَة فِي شرف سيدنَا مُحَمَّد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا بِدَلِيل انْتهى. وَأَنت خَبِير بِأَنَّهُ كأبيه ليسَا قائلين بامتناع ذَلِك، وَإِنَّمَا هما يحاولان أَنه لَا يَنْبَغِي قَول ذَلِك إِلَّا بِدَلِيل أَي لَا ينْدب قَوْله إِلَّا بِدَلِيل يدل على اسْتِحْبَابه، وَلَيْسَ فِي كَلَامهمَا مَا يدل على أَن ذَلِك لَا يجوز، على أَن الظَّاهِر أَنَّهُمَا غفلا عَمَّا قدمْنَاهُ عَن النووري وَغَيره، وَمن ثمَّ خالفهما شيخ الْإِسْلَام القاياتي فَقَالَ فِي (الرَّوْضَة) : إِن القارىء إِذا قَرَأَ ثمَّ جعل مَا حصل من الْأجر لَهُ