فقالت له أخته: انزل في الرحب والسعة، فنزل فأكرمته وألطفته. ثم خرجت من خِباءٍ إلى خباء فرأى أجمل أهل دهرها وأكملهم، وكانت عقيلة قومها وسيدة نسائها. فوقع في نفسه منها شيء، فجعل لا يدري كيف يرسل إليها ولا ماوافقها من ذلك. فجلس بفناء الخباء يوماً وهي تسمع كلامه وهو ينشد:
يا أُخْتَ خَيْرِ البَدْوِ والحضارهْ ... كيف تَرَيْنَ في فَتَى فَزَارَهْ
أَصْبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَهْ ... إِيَّاكِ أَعْنِي واسْمَعِي يا جَارَهْ
فلما سمعت قوله عرفت أنه إياها يعني، فقالت: ماذا بقول ذي عقل أريب، ولا رأيٍ مُصيب، ولا أنفٍ نجيب. فأقِم ما أقمت مُكرَّماً، ثم ارتحِل إذا شئت مُسلَّما. فاستحيا من قولها وقال: ما أردت مُنكراً واسَوْأتاه. قالت: صدقت. وكأنها استحيت من تسرعها إلى تهمته. فارتحل فأتى النعمان فحباه وأكرمه. فلما رجع نزل على أخيها، فبينما هو مُقيم عندهم تطلّعت إليه نفسُها وكان جميلاً. فأرسلت إليه أن اخطُبني إن كانت لك فيّ يوماً من الدهر حاجة، فإني سريعة إلى ذلك. فخطبها وتزوجها وسار بها إلى قومه.
قال الأصمعي وغيره: الدابِر: الأصل. أي أذهب الله أصله. وقال الشاعر:
فِدىً لَكُما رِجْلَيَّ أُمِّي وخَالَتي ... غَداةَ الكُلاب إذ تُجَزّ الدَوابِرُ
أي يُقتل القوم فتذهب أصولهم فلا يبقى لهم أثر.