لا يعرفها، فكأنه أنكرها وفتر عن الطلب. فبينا هو كذلك إذ رأى رجلاً قاعداً على أكَمةٍ أزبَّ أعمى في أطمارٍ له، وبين يديه فِراشٌ من ذهبٍ وجوهر لم ير مثله. فدنا منه اللُجيج ليتناول مما بين يديه فلم يقدر على ذلك، فقال للأعمى: يا هذا ما الذي أرى بين يديك، أهو لك أم لغيرك؟ قال: وفيم سؤالك عما لم يُكسبك إياه كاسب، ولم يهبْه لك واهب. قال: إن الذي أرى لعجب. قال له الأعمى: أعجب مما ترى سؤالك عما ليس لك. أتحب أن يأخذ إبلك من لو شاء قتلك؟! قال: لا. ولكن أخبرني أجواد فتُرجى أم بخيل فتُقصى؟ قال الأعمى: إنما يعطي الجواد ماله، وليس هذا المال لي، ولكنه الرجلٍ لا بد أن يصل إليه. قال اللُجيج: ومن الرجل؟ قال: سعد بن خَشرم بن شمام، وهو في حيّ بني مالك بن هلال فاعدل عني واطلب سعداً تُصِب جدَّاً وعيشاً رَغداً، فإن الدالَّ على الخير كفاعله. فأرسلها مثلاً فانصرف اللُجيج لأهله وقد استُطير فؤاده مما رأى، فدخل خِباءه ونعس فنام مغموماً لا يدري مَن سعد بن خَشرم. فأتاه آتٍ في منامه فقال له: يا لُجيج إن شمّاماً في حيٍّ من بني شيبان من بني مُحَلّم، فهناك فاطلُب غِناك فقد أتاك فوق مناك. فانبعث اللُجيج من منامه فاستوى على راحلته، فأتى بني شيبان. فسأل عن بني مُحَلّم ثم سأل عن سعد بن خَشرم بن شمام. فقيل له: هذا أبوه، فأتاه وهو عند خِبائه فسلّم عليه. ثم سأله عن ابنه سعد فقال انطلقَ يطلُب اللُجيج بن شُنيف اليربوعي. وذلك أنّ آتياً أتاه في المنام فقال له إن لك مالاً في نواحي أرض بني يربوع لا يعلمه إلا اللُجيج. فقال: أنا اللُجيج. ثم أدبر وهو يقول:
أَيَطْلِبُني من قد عَنانِي طِلاَبُه ... فيا لَيْتَني ألفقاكَ سَعْدَ بن خَشْرَمِ
أَتَيْتَ بني يربوع يا سَعْدُ طالِبي ... وقد جئتُ كي ألقاك آل مُحَلَّمِ
ثم سار حتى دنا من محلّته فاستقبله سعد، فقال له اللُجيج: أيها الراكب.