وأخذت موسى كانت تحف بها الشعر معها. ودعت بمِجمرة فيها نار، ثم وضعت البخور عليها ووضعتها تحته، وتطأطأت كأنها تصلح البخور، وعمدت إلى مذاكره فقطعتها بالموسى. فلما أحس بحرارة الحديد قال: صبراً على مجامر الكرام. ثم أومأت إلى أنها تدهنه وقالت: إن هذا دهن طيب إلا أن فيه حرارة فتصبّر عليها حتى تبرد فإن ريحك الآن ريح الإبل. ثم أشمّته الدهن على الموسى، ثم رفعتها فوضعتها بين عينيه فاستلبت بها أنفه، ثم فعلت بأذنيه مثل ذلك، وقالت: قم يابن الخبيثة. فأتى صاحبه. فلما رآه قال: أمقبل أنت أم مدبر. فقال: أخزاك الله! أو قد عمي قلبك إذ لم تكن ترى أنفاً ولا أذنين؟ أو ما رأيت وباصة العينين؟ قال: قد قلت يا يسار: كل لحم الحُوار، واشرب من لبن العشار، وإياك وبنات الأحرار.
قال أبو عبيدة وغيره: معناه كرر عليه المسألة وغيرها وألحّ حتى أتعبه فصيره بمنزلة الطَلح والطليح من الإبل، وهو الذي قد منّه السير وهزله وأنشد:
قُلْتُ لَعِنْسٍ قد وَنَتْ طَلِيحُ
وقال الأصمعي: أيضاً الرجل التعب الكال. وأنشد للحطيئة في صفة إبل:
إذا نام طِلْح أشعثُ الراسِ دُونَها ... هَداهُ لها أنفاسُها وزَفِيرُها
يعني بالطَّلح الراعي.