قال ابن الأعرابي: يعني بذلك لا تُقرب ناحيته ولا ساحته ولا يُطمع فيما وراء ظهره من عزته ومنعته، وليس يعني أنه بخيل ولكنه عزيز ممتنع.
أول من قاله يسار الكواعب. وكان من حديثه أنه كان عبداً أسود يرعى لأهله إبلاً ضخمة. وكان معه عبد يراعيه. وأن أهله مرّوا سائرين يوماً بحذاء إبله، وكانت إبله ترتع في روضة مُعشبة، فعمد إلى لقوحٍ من لقاحه قد درّت على ولدها فحلبها في علبة له حت ملأها، ثم أقب يمشي بها وكان أفج الرِجلين حتى أتى بها بنت مولاه يسقيها وهي راكبة على الجمل، فنظرت إلى رجليه فتبسمت ثم شربت وجزته خيراً. فانطلق فرحاً حتى إذا أتى صاحبه فقص عليه القصة. فقال له اسخر بنفسك ولا تسخر ببنات الأحرار فقال: والله لقد دَحِكِت يريد ضحكت إلي دُحيك. لا أُخيّبها. فلما باتا كُسر لهما حوار سمين. فقال له رفيقه: تعال عاونّي على هذا الحِوار حتى نطبخه. فقال: ما أشغلني عنك اعمله أنت. فقام فحلب في علبته فملأها. ثم إنه أتى ابنة مولاه فنبهها إلى العلبة فاستيقظت فشربت من العلبة حاجتها، ثم إنها اضطجعت وجلس موازياً لها. فقالت: ما جاء بك؟ قال: ما أعلمك ما جاء بي! قالت: والله ما أعلم ما جاء بك. وظنّت أنه قد أذنب ذنباً فجاء لتطلب إلى مولاه. فقال: لا، ولَّ، يريد والله، ما خفا عليك ما جاء بي. يريد خَفِيَ. قالت فأي شيء هو؟ قال: ذاك دُحيك الذي دَحكت إلي. قالت حياك الله. وذهبت إلى سفط لها فأخرجته وأخرجت منه بُخوراً ودهناً طيب الريح