فتبعهُ على ذلك أقوامٌ، حتى حمَلَ الرايةَ بِشْرُ بن غِياثٍ المِرِّيسيُّ

ورؤوس الاعتزالِ، فاحتضَنَت دعوَتَهم الحُكومةُ والسُّلطانُ، فعَمِلَت القوّة في الناس عَمَلها ووقعَت المِحْنةُ.

ولقد كانت مسألةُ القرآن من أبْرَز ما ظَهَر به جَهْمٌ من الكُفْرِ والبدعةِ، وقد كانَ يَنفي أن يكونَ لله كلامٌ، على نَهْج سَلَفِه الجَعْدِ بن دِرْهَم، ولكنَّه من بَعْدُ خافَ سطوةَ أهْلِ الحقّ وظهورَهم فحاباهم، فأثبتَ لله كلاماً، لكنَّه عنده ما خلقَه الله في غيرِهِ، وهذا هو الذي تلقّتهُ عنه المعتزلةُ، ودَعَوْا إليه الناسَ، وعزَّزَتهم عليه قوّة السُّلْطان، وهم في الحقيقةِ على أصْلِهم الجَهمي في نَفْي الكلامِ، لكنَّهم ادَّعوا إثباتَه في الظاهر على معنى فاسدٍ باطلٍ، كما سيأتي شرحُهُ ونقضُهُ.

وإلى هذا العَهْدِ، وهو على وجْهِ التَّحديد عهدُ الإِمام أحمد بن حنبل وطبقتهِ، لَمْ يكن ظهَرَ في كلام الله من البِدَعِ سوى هذه البدعةِ، فناضَلَ أهلُ الحقّ من أجل دَحْضِها وإبطالِها.

قال شيخ الإِسلام: "لمَّا أظهروا هذه البدعةَ اشتدَّ نكيرُ السَّلَفِ والأئمةِ لها، وعَرفوا أنَّ حقيقتها أنَّ الله لا يتكلَّمُ ولا يأمرُ ولا يَنهى، إذ الكلام وسائرُ الصفات إنَّما يعودُ حكمُها إلى مَن قامت به" (?).

ثمَّ لمَّا وقعت المحنةُ في القرآن: هل هو مخلوقٌ، أو غيرُ مخلوقٍ، وانكشفتْ بصُمودِ أهل الحقّ وثَباتِهم على أنَّ القرآنَ كلامُ الله غيرُ مخلوق، وظُهورِهم على الجهميةِ المعتزلةِ القائلينَ: بأنَّ القرآنَ كلامَ الله مخلوقٌ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015