وحَقَّ الله بذلك الحقَّ ونصَرَ أهلَه، عندئذ مَكَرَتِ الجهميةُ مَكْراً جديداً لتدخُلَ على الناس من طريقٍ أخرى من طُرُق التَّلبيس والتَّمويه، فأظهروا بدعةَ اللَّفظ التي شرحْتُها في الباب السابق، وآخرونَ منهم ثَبَتوا على التقيّة لأهْل الحقّ، فوقَفوا، ولَمْ يكن وقوفاً عن ورَعٍ وديانةٍ، وإنَّما كانَ عن خوفٍ ومَهابَةٍ، أو عن شَكٍّ وتردّدٍ، كَما قد شرحته في الباب الأول.
فتلقّفَ بدعةَ اللَّفظ طائفةٌ من المُنتسبينَ إلى السُّنَّة، الذَّابينَ بزَعْمِهم عنها، وحَسِبوها هي المقالةَ الوسَطَ، ومن خِلالها حاولوا الردَّ على الجَهمية المعتزلة معَ اتّفاقهم معهم في حقيقةِ مذهَبهم، وكانَ من حامِلي رايةِ هؤلاءِ ذاكَ المَدْعو عبدالله بن سعيد بن كُلّاب أبو محمد القطّان البَصريّ، الذي تُنْسَبُ له طائفة (الكُلّابية) وكانَ رجُلاً يُذْكَر بالجَدَلِ والمُناظرهِ، ولَمْ يكن مَعْدوداً في أهل الرّوايةِ والأثر مع قِدَم عهدِهِ، وهذا من عَلَامة الخُذْلان (?)، وكانَ من حسنَتهِ إثباتُ الصفاتِ، وربَّما كانَ بعضُ ذلك على مَعاني محرّفةٍ مبتدَعَةٍ، وقد ردَّ على الجَهمية المعتزلةِ من بعض الوجوهِ التي جعلَت بعضَ