سؤالها في حياته شركا لسد بابه, بل لم تسأل ذلك الصحابة, فلا ريب في جواز ذلك ولا إشكال, وليس للمقال فيه مجال.
وأما بعد موته صلى الله عليه وسلم فهو مما لا سبيل إليه, والطرق دونه مسدودة, وما يتشبث به المخالف للصواب من موضوعات الأدلة وضعافها مردودة, لا تقاوم قواطع النصوص ولا تعارض براهين المنع المنصوص, على استواء العموم في ذلك والخصوص.
وحاصل التحقيق في إيضاح هذه الطريق أن نقول:
اعلم أن الشفاعة كالاستغاثة محض حق لله تعالى, لا خلاف فيه بين أهل الحق في ذلك ولا نزاع, ولا عبرة بخلاف أهل الزيغ والابتداع, الذين يحرفون الكلم على خلاف مراد واضعه, ويضعون على وفق أهويتهم لا على وفق مواضعه, بل يبتدعون الأقوال, ويخترعون شبه الضلال. قال الله تعالى: {مَا لكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ} (السجدة: من الآية 4) وقال تعالى: {وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ ليْسَ لهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ} (الأنعام: من الآية 51) وقال جل جلاله: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} (الزمر: من الآية 44) وغير ذلك من الآيات.
فإذا تقرر أنها من خالص حق رب العالمين, وأنها داخلة في جملة أنواع الدين, الذي قضاه وأمر به وأوجبه لنفسه دون البرية أجمعين. كما قال سبحانه وتعالى في كتابه المبين: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} (الإسراء: من الآية 23) وقال جل جلاله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} (يوسف: من الآية 40) وقال تعالى: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لهُ الدِّين} (غافر: من الآية 65) وقال سبحانه وتعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لهُ الدِّينَ} (البينة: من الآية 5) امتنع صرفها لغيره, فلا يجوز صرفها لرسول ولا نبي, ولا ملك مقرب