(أ) خربت القيروان على يد العرب وذهب الهلالية وذهب ما أنفقه المعز من جهود، فهاجر الناس وفيهم الشعراء والعلماء إلى صقلية والأندلس.
(ب) ثم وقعت بعد وقت قصير فتشعب شعراؤها وعلماؤها الأصليون والطارئون في ثلاث شعب: واحدة ذهبت إلى الأندلس وأخرى عادت إلى إفريقية وثالثة إلى مصر، وسنقف عند هذه الهجرة في فصل تال.
(ج) ثم أخذت الأندلس تهتز تحت غارات الأسبان من جهة وأطماع المرابطين من جهة أخرى، وتشتت تلك الحلقات الأدبية التي كانت حول ملوك الطوائف - وخاصة ابن عماد - واتجه المهاجرون في الغالب إلى أفريقية، وهكذا قام كل بلد من هذا المثلث المغربي بنصيبه في الحياة الأدبية، وكانت الهجرة من واحد إلى آخر غذاء جديداً.
وتتمثل الهجرة إلى صقلية على ثلاث درجات متفاوتة: فهناك هجرة الشاعر العابر المتكسب الذي يتخذ من صقلية منتجعاً أو موطئ قدم، حتى إذا وجد طلبته، أو أخفق في العثور عليها، فارق البلد عائداً إلى وطنه. ومن أشهر هؤلاء الشعراء ابن قاضي ميلة أحد الوافدين على ثقة الدولة وقد مدحه بقصيدة فانية وصفها ابن خلكان بأنها بديعة غريبة ورواها بتمامها (?) ومنهم ابن المؤدب، وهو ممن أسرهم الروم، فلما هادنهم ثقة الدولة استرد بعض الأسرى وفيهم هذا الشاعر فمدحه بقصيدة شكره فيها على صنيعه، ورجا صلته، فلم يصله ثقة الدولة بشيء، فأخذ يتكلم بذمة وأطلق لسانه فيه غير متحرج، واختفى خوفاً على نفسه ممن الطلب، وفي إحدى الليالي خرج وهو سكران ليشتري نقلاً، فما شعر إلا وقد حمله صاحب الشرطة حتى أدخله على ثقة الدولة، فعقبه الأمير على ما كان بلغه عنه ثم أمر بمائة رباعي، وأخرجه من المدينة لئلا تتغير عليه نفسه بعد العفو، فيأخذه بالعقوبة (?) .
واتصل بثقة الدولة شاعر مهاجر آخر اسمه محمد بن عبدون السوسي ويصفه