إذن فكتاب تثقيف اللسان الذي عنينا به في غير موطن من هذا الفصل أصدق نتاج لصقلية بعامة، ولمدرستها اللغوية بخاصة، كما انه - في بابه - خير اثر صقلي قاوم الفناء لنتصور منه كثيراً من جوانب الحياة اللغوية في تلك الجزيرة. ويقول لنا مؤلفه إنه كتبه استجابة لرغبة سائل سأله أن يجمع له مما يصحفه في الفاظهم، وما يغلط فيه أهل الفقه، فلما انتهى من الكلام في التصحيف خطر له أن يضم إليه غيره قال: " فأضفت إلى ذلك غيره من الأغاليط التي سمعتها من الناس على اختلاف طبقاتهم من ما لا يوجد في كتب المتقدمين التنبيه على أكثره، لأن كل من ألف كتاباً في هذا المعنى فإنما نبه على غلط أهل عصره وبلده، وأهل البلدان مختلفون في أغاليظهم.. إلخ " (?) . فليس لدينا ما هو أصدق من هذا الكتاب تعبيراً عن الشعور باستقلال صقلية في طابعها اللغوي، في كل ما خلفه الصقليون، وربما ابتز منا هذا الثناء لأنه رمز لوعي قومي في نفس مؤلفه، ودليل على معاناته تجربة للرصد والتحري والإصغاء لما يقرأ ويسمع، وربما استحق احبه تقديرنا لخضوعه للإشراف العلمي الصحيح، وأخذه بتوجيه أستاذه.
وبعد أن جمع المؤلف أغلاطاً سمعها من الأفواه في بلده، قسم كتابه إلى خمسين باباً تحدث فيها عن التصحيف والتبديل والزيادة في الأسماء والنقص فيها، والزيادة في الأفعال والنقص فيها، وتأنيث ما هو مذكر وتذكير ما هو مؤنث.. إلخ وتحدث عن الأغلاط التي يقع فيها العامة والخاصة معاً، وعما يصيب فيه فريق دون آخر، وقدم لنا فصولا ممتعة عن أخطاء القراء وأهل الحديث والفقه والوثائق والطب والسماع، وفي هذه الفصول خاصة استطعنا أن نستشف بعض معالم الحياة العقلية بصقلية في صحفه الخطأ اللغوي.
والنتيجة التي ننهي إيها في هذا البحث أن لغة التأليف لم تكن سليمة