العرب في صقليه (صفحة 103)

- إلى جانبه لغة الكلام - أو أنها على الأقل لم تكن ترضي أهل اللغة القائمين بالمحافظة عليها. والفقهاء على وجه الخصوص هم الواقعون تحت تهمة التهاون في لغتهم، وهي تهمة ترجع إلى ما قبل هذا العصر إذ نراها عند ابن فارس (?) وأبي حيان التوحيدي (?) قبل ذلك. وهذه مشكلة تواجه الصحة في التعبير قبل أن تواجه الجمال فيه، وربما استطعنا أن نلتمس شيئاً منها فيما كتبه ابن حوقل، فقد حاول أن يسخر من الصقليين في بلاغتهم وتندر على رجل رآه في المسجد الجامع ببلرم وفي يده قصة مهر، وهو مقبل على قراءتها وكلما مر له فصل داوم على تقريظه لحسن ما تأتي له من المعاني الجيدة والشروط البديعة واستيفاء أسباب البلاغة (?) . ومعنى هذا الخبر أن كتاب العهود والوثائق كانوا قد تطاولوا إلى مقام أهل الكتابة الفنية، وهو قلب للأوضاع، لأن البلاغة ليست عنصراً من العناصر التي لابد أن تستوفيها أوراق العقود وتعابير الشروط. ومن هذا نرى أن صحة التعبير التي كانت لازمة لأصحاب الوثائق، قد أهدرت وحاول القائمون عليها أن يمسحوها بمسحة من جمال ليخفوا قبح الخطأ فيما يكتبون.

كان هؤلاء الوثائقيون طائفة مهمة في الحياة اليومية وكان الواحد منهم يسمى فلاناً الوثائقي، وكانت صناعتهم قد اتخذت لها أصولا، وكتبت فيها الكتب، وربما كان معلمهم فيها ابن الهندي القرطي الذي كان بصيراً بعقد الوثائق، فألف فيها ديواناً كبيراً وشحنه بالخبر والحكم والأمثال والنوادر والشعر والفوائد والحجج ليضمن لأصحاب الصناعة شيئاً من خلابة البيان، واخترع في علم الوثائق فنوناً وألفاظاً وفصولا وأصولا وعقداً عجيبة (?) ، ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015