فَبكى ليلته كلهَا فَلَمَّا أصبح قيل لَهُ مَا كَانَ شَأْنك البارحة وَمَا الَّذِي أبكاك فَقَالَ سَمِعت منشدا ينشد
ايا راهبي نَجْرَان مَا فعلت هِنْد
فَقلت فِي نَفسِي مَا فعلت الأقدار فِي وماذا جرت بِهِ عَليّ
وَقد علمت رَحِمك الله أَن النَّاس صنفان صنف مقرب مصان وَآخر مبعد مهان صنف نصبت لَهُ الأسرة والحجال وجمعت لَهُم الرغائب والآمال والأرائك والكلال وَآخَرُونَ أعدت لَهُم الأراقم والصلال والمقامع والأغلال وضروب الْأَهْوَال والأنكال وَأَنت لَا تعلم من أَيهمَا أَنْت وَلَا فِي أَي الْفَرِيقَيْنِ كتبت
وأنشدوا
نزلُوا بِمَكَّة من قبائل نَوْفَل ... وَنزلت بِالْبَيْدَاءِ أبعد منزل
وتقلبوا فرحين تَحت ظلالهم ... وطرحت بالصحراء غير مظلل
وَسقوا من الصافي الْمُعْتق رَبهم ... وسقيت دمعة واله متململ
يَا قسْمَة قسمت وَلم يعلم بهَا ... وَقَضِيَّة ثبتَتْ لأمر الأول
هَل فِيك للْملك الْمُهَيْمِن نظرة ... فتزيل من دَاء البعاد المعضل
فَأجَاب يسمع نَفسه عَن نَفسه ... وَالْعقل يسْمعهَا إِذا لم تعقل
هَيْهَات قد سبق الْقَضَاء بِمَا ترى ... فَاكْفُفْ سؤالك بعد ذَا أَو فاسأل
الْبَيْت الأول قديم
وَقيل من قعد بِهِ جده لم ينْهض بِهِ جده
قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي كَانَ أَبُو عَليّ الدقاق كثيرا مَا ينشد
مَا حيلتي تفعل الأقدار مَا أمرت ... وَالنَّاس مَا بَين ذِي غي وَذي رشد