الْحِفْظ بِحَيْثُ سمعته يَحْكِي أَنه حفظ نَحْو خمسين سطرا من صِحَاح الْجَوْهَرِي بِحَضْرَة السفطي من مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثَة مستحضرا لكثير من التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه وأصوله والعربية حَافِظًا لجمل مستكثرا من الْأَشْعَار الْقَدِيمَة وَغَيرهَا وَكَذَا الحكايات والنوادر فِي ذَلِك كُله ومجالسه فِي الْوَعْظ نِهَايَة وَلَو تحرى الصدْق لَكَانَ نَسِيج وَحده فِي مَعْنَاهُ إِلَّا أَنه ينْسب إِلَى مجازفة فِي القَوْل وَالْفِعْل بِحَيْثُ)

يحصل التَّوَقُّف فِي أَكثر مَا يبديه مَعَ دهاء وملق وقدرة على استجلاب الخواطر وإلفات النَّاس إِلَى جَانِبه مَعَ أَنه لَيْسَ عَلَيْهِ رونق الْعلمَاء وَلَا أَئِمَّة الوعاظ، وَقد تَرْجمهُ الشهَاب بن أبي عذيبة فَبَالغ وَوَصفه بشيخنا الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْوَاعِظ الْمُفْتِي الْمدرس معيد الصلاحية وَإِمَام أهل الْوَعْظ بِلَا مُنَازع من مُدَّة متطاولة وَكتب عَلَيْهَا الْبُرْهَان الْأنْصَارِيّ والشهاب العميري وَغَيرهمَا من أهل بَيت الْمُقَدّس إِن الْأَمر فَوق مَا ذكر بل كَانَ الْعِزّ الْقُدسِي يُبَالغ فِي إطرائه وَيَقُول أَنه لم يصعد كرْسِي الْوَعْظ بعد الزين الْقرشِي مثله، قَالَ ابْن أبي عذيبة وَمَعَ ذَلِك فَلم ينصفه لِأَنَّهُ أحفظ من الزين بِكَثِير قَالَ وَلَقَد قَالَ الْعِزّ أَيْضا أَنه أحفظ من ابْن تَيْمِية مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَيْهِ من معرفَة الحَدِيث وتمييز صَحِيحه من ضعيفه إِلَى غير ذَلِك من فنونه وَقيل إِن البلاطنسي كَانَ كثير الْمحبَّة وَالثنَاء عَلَيْهِ وَكَذَا غَالب أهل دمشق حَتَّى أَنه عرض عَلَيْهِ قَضَاء بعض بلادها فَامْتنعَ، وَأما شَيخنَا فَإِنَّهُ أورد لَهُ حَادِثَة فِي تَارِيخه مؤذنة بإجلاله وَقَالَ أَنه اشْتغل كثيرا بالقدس وَفِيه فرط ذكاء وتعانى الْكَلَام على الْعَامَّة فمهر فِي ذَلِك وَاجْتمعَ عَلَيْهِ خلق كثير وَنقل عَن أبي الْبَقَاء بن الضياء الْحَنَفِيّ الْمَكِّيّ أَنه من الْفُضَلَاء الأذكياء انْتفع بِهِ النَّاس واشتغل عَلَيْهِ الطّلبَة وَكتب على الفتوي وَوعظ بِالْمَسْجِدِ فَاجْتمع عَلَيْهِ الْعَوام وَبَعض الْخَواص انْتهى.

وَإِلَى هَذِه الكائنة أَو غَيرهَا أَشَارَ ابْن أبي عذيبة فَقَالَ وَجَرت لَهُ محنة بِسَبَب الْوَعْظ افتراء عَلَيْهِ فنصره الله بِقِيَام أهل الْحق مَعَه. قلت بل جرت لَهُ حوادث وخطوب أشنعها كائنته مَعَ عشيره وَصديقه البقاعي الَّتِي أوردتها فِي سيرته المفردة ومحصلها حِكَايَة التفاعل من الجنبين والمقاهرة بِأخذ مَال كثير كَانَ مودعا لصَاحب التَّرْجَمَة عِنْد الآخر فجحده إِيَّاه واتفقت قضايا قبيحة من الطَّرفَيْنِ أنزه قلمي عَن الْمُرُور عَلَيْهَا وَآل الْأَمر إِلَى وزن البقاعي بعد مَا رغب عَن شَيْء من وظائفه ليمنع عَنهُ ظن صدقه فِي دَعْوَاهُ أَكثر المَال الْمُدعى بِهِ وَأشْهد كل مِنْهُمَا على نَفسه بِالْبَرَاءَةِ من المَال وَالْعرض وَصَارَ كل مِنْهُمَا بِهَذِهِ الْحَادِثَة مثلَة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015