وقد صرح الألوسي بذلك في قوله: وقد غلب على ظن أكثر أهل الحكمة الجديدة أن القمر عالم كعالم أرضنا هذه وفيه جبال وبحار ويزعمون أنهم يحسون بها بواسطة أرصادهم فذكر أنهم ساروا على مجرد الظن وما تقتضيه الأرصاد لا على أمر من الله تعالى ووحي من فهم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وذكر الألوسي أيضاً في صفحة 23 أن هرشل الفيلسوف وأتباعه أصحاب الرصد والزيج الجديد تخيلوا خلاف ما ذهب إليه الأولون في أمر الهيئة وقالوا بأن الشمس مركز والأرض وكذا النجوم دائرة حولها.
وهذا صريح في أن أهل الهيئة الجديدة إنما ساروا على مجرد التخيلات وهي التخرصات والظنون الكاذبة. لا على أمر من الله تعالى ووحي من فهم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ويلزم على قول الصواف أن يكون الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان قد تركوا العمل بأمر أمر الله به ولم يفهموا ما جاء في الكتاب والسنة عنه. وأن الذين عربوا كتاب اليونان وعملوا رصد الكواكب في زمن المأمون وما بعده هم الذين عملوا بما أهمله الصحابة والتابعون وتابعوهم, وفهموا من الكتاب والسنة ما لم يفهمه الصحابة والتابعون وتابعوهم. هذا ما يقتضيه كلام الصواف كما لا يخفى على من له أدنى علم وفهم ولا يخفى أيضاً ما يقتضيه كلام الصواف من الإزراء بالصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان. وما يقتضيه أيضاً من الثناء على الذين عملوا رصد الكوكب وتخرصوا في الأجرام العلوية وزعموا فيها المزاعم الباطلة.
وما كان مقتضياً لما ذكرنا فهو قول سيء ينبغي التحذير منه لئلا يغتر به.
وقد ذكرت في أثناء الكتاب كلاماً حسناً للحافظ أبي عبد الله الذهبي قال فيه إنه لما عربت كتب الأوائل ومنطق اليونان وعمل رصد الكواكب نشأ للناس علم جديد مرد مهلك لا يلائم علم النبوة. ولا يوافق توحيد المؤمنين قد كانت الأمة منه في عافية.
قلت وعن هذا العلم المردي المهلك نجم الكلام في القمر وغيره من الأجرام العلوية والإخبار عما فيها بمجرد التخرصات والظنون الكاذبة.
وعلى هذا العلم المردي المهلك سار علماء الصواف لا على ما زعمه من الأمر والوحي اللذين لا وجود لهما.