وأما قوله: والله تبارك وتعالى حينما يقول وهو يخاطب رسوله ليخاطب الناس (قل انظروا ماذا في السموات والأرض) فهل المراد مجرد النظر للتفرج والتفكه والتسلي أم هو النظر للبحث والعلم والتحقيق والاعتبار والادكار.
فجوابه أن يقال ليس المراد من الأمر بالنظر في ملكوت السموات والأرض مجرد النظر للتفرج والتفكه والتسلي ولا النظر للبحث والكشف عما في الأجرام العلوية من جبال وبحار وغير ذلك مما لم يخبر الله به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فإن هذا من الرجم بالغيب والقول بغير علم. وإنما الأمر بالنظر للتفكر والاعتبار والاستدلال على عظمة الخالق جل جلاله وكمال قدرته وأنه الإله الواحد الأحد الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده دون من سواه.
والآية إنما سيقت في مخاطبة المشركين ودعائهم إلى الإيمان بالله تعالى. قال البغوي في قوله تعالى (قل انظروا) أي قل للمشركين الذين يسألونك الآيات انظروا ماذا في السموات والأرض من الآيات والدلائل والعبر ففي السموات الشمس والقمر والنجوم وغيرها وفي الأرض الجبال والبحار والأنهار والأشجار وغيرها. قلت وتمام الآية دال على أن الخطاب للمشركين ولهذا قال تعالى (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) ونظير هذه الآية قوله تعالى (أو لم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء) الآية, وقوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت).
وقوله تعالى (وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون) قال القرطبي في تفسيره (وهم) يعني الكفار (عن آياتها معرضون) بين أن المشركين غفلوا عن النظر في السموات وآياتها من ليلها ونهارها وشمسها وقمرها وأفلاكها ورياحها وسحابها وما فيها من قدرة الله تعالى إذ لو نظروا واعتبروا لعلموا أن لها صانعاً قادراً واحداً فيستحيل أن يكون له شريك انتهى.
وأما حمل الآية على ما قاله الصواف من البحث والعلم والتحقيق - يعني البحث عما في الأجرام العلوية من جبال وبحار وسكان وتحقيق ما غلب على ظنون أهل المراصد من ذلك والعلم به - فهو من الإلحاد في آيات الله وتحريف الكلم عن مواضعه.