دايو كيس أن شعبه انتخبه ملكًا وأنه نجح في توحيد كلمة القبائل الماذية تحت حكمه واتخذ إكباتانا "وهي همدان الحالية" عاصمة. وأقام قصرة داخل حصن تحيط به سبعة أسوار، ثم احتجب عن رعاياه ولم يسمح لهم بأن يتصلوا به اتصالًا مباشرًا1. ولم يكن من المنتظر أن ترضى آشور عن انسلاخ ماذي عنها في عهدها السرجوني العظيم، فتكرر الصدام بينهما، ولكن قضاء الآشوريين على ممكلة إلام في عام 644ق. م أراح الماذيين من منافسيهم الخطرين في جنوب إيران الذين قاموا رغبتهم في الاتساع ناحية الجنوب منذ عهد ملكهم فرفارتي " Phraortes" في منتصف القرن السابع ق. م. وهكذا استغلوا الجبال الجنوبية الغنية بمعادنها وأحجارها الكريمة، كما استغلوا مزارع السفوح والوديان في بناء اقتصادهم، ولكنهم ظلوا أقل قوة من الآشوريين، وقُتل ملكهم فرافارتي في الحرب2.

واتسعت أمام الماذيين فرص الانطلاق بعد أن اهتزت أركان الآشوريين بطرد حاميتهم من مصر وخروج أغلب ولايات الشام عليهم وحدوث الانقسامات الداخلية في دولتهم، فانتظمت قبائل مانداهور الماذية تحت زعامة هواخشير "كيخسرو في الفارسية وأوماكيشتار في البابلية وكياكساريس Cyaxares" في اليونانية". وتوالت هجمات جيشه على آشور منذ العام الأول من حكمه، وحاصر نينوى بعد أن أعاد تنظيم قواته على نسق التنظيم الآشوري، لولا أن اهتز الشرق حينذاك باندفاع السكيثيين الذين أخذوا يضربون شرقًا وغربًا دون هدى، ومالوا في بداية الأمر إلى محالفة الآشوريين، ولكنهم ما لبثوا حتى هاجموا كلًّا من أطراف ماذي وآشور معًا، مما اضطر هواخشير الماذي إلى التراجع عن آشور ليحمي مملكته3.

وإلى الغرب من آشزر كانت دولة ليديا المتأغرقة تحاول طرد السميريين البرابرة من آسيا الصغرى. والتمس ملكها جيجيس عون آشور في عهد ملكها آشور بانيبال ولكنه لم يجد من معونتها ما كان يبتغيه، فقتل في الحرب ثم انفردت دولته بالمهمة وطردت السميريين من آسيا الصغرى في عهد ولده أرديس. واندفع السميريون في تقهقرهم على الحدود الآشورية فصدتهم عنها جيوش آشور بانيبال بعد جهد جهيد. واقتفى السكيثيون أثر السميريين في الاندفاع إلى الغرب فاقتحموا ممرات طوروس واجتاحوا مناطق غرب الدولة وولاياتها الساحلية دون مقاومة تذكر من الجيوش الآشورية التي أنهكتها الحروب المتواصلة، ولا من الفرق المؤلفة من الشعوب الخاضعة التي لم يكن لها من حسن التدريب ولا من الإخلاص للدولة ما يعوض ضعضعة الآشوريين. بل إن هذه الهزة قد شجعت المدن السورية على أن تنفض ما بقي من النفوذ الآشوري عنها، واحدة إثر الأخرى، بعد أن تبينت ضعف أصحابة. أما السكيثيون فيروي هيرودوت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015