أنهم أوشكوا أن يصلوا في اندفاعتهم إلى الحدود المصرية لولا أن صرفهم الفرعون بسماتيك عنها بالعطايا، مفضلًا ذلك عن استهلاك قوته الحربية معهم1، "وراجع ص302".
وأدلى نابو بولاسر البابلي الكلداني بدوره في أحداث عصره، فاشتبكت جيوشه مع الآشوريين منذ العام العاشر من حكمه على أقل تقدير، في قابلينو ومادانو وعلى نهر الزاب وحول العاصمة آشور نفسها، وفي تكريت "تاكريتين"2، ولكن دون نتائج حاسمة لأحد الجانبين، لا سيما وأنه لم يلق العون مخلصًا من كل البابليين، كما ظلت بقية القبائل الأرامية المجاورة له حريصة على استقلالها الذاتي بجانبه. وفي ظل هذه الظروف التي أحاطت بآشور وجيرانها، تلفت كل من الطرفين القريبين منها والطامعين فيها، ونعني بهما الكلدانيين والماذيين، كل منها إلى عون الآخر، بعد أن أيقنا أنه لا قبل لأحدهما منفردًا بأن يهدم آشور، فتحالفا وأيدا تحالفهما بمصاهرة البيتين الحاكمين فيهما3، وابتدأت جيوش الحليفين تدق على أبواب آشور من جديد.
ويفهم من الروايات البابلية أن المصريين كان لهم دور في معاونة الجيوش الآشورية4، وإذا صح ذلك معناه أن آشور لجأت في محنتها إلى عون مصر خصيمتها العتيدة، وأن مصر استجابت لها حرصًا على الوضع القائم ودفعًا للخطر الثنائي الجديد، ولكن الدفعة التي خرج بها الماذيون المتحفزون والبابليون الكلدانيون الحاقدون على آشور، كانت أقوى من أن تصدها دولة مزقتها الخلافات أو يصدها حليف بعيد الديار. فشدد الماذيون والبابليون حصارهم على نينوى ودمروها تدميرًا عنيفًا في عام 612ق. م، وقضوا على استقلالها، وقتلوا ملكها "سين شار إشكين" أو دفعوه إلى الاحتراق بنيرانها كما ذكرت الروايات الإغريقية، على نحو ما ملك شمش شوموكين قبل ذلك بست وثلاثين عامًا في نيران بابل. واعترفت الوثائق البابلية بأن أكثر الجهد كان من نصيب الماذيين العتاة، ليس في القضاء على نينوى وحدها، وإنما في اجتياح الأقاليم العراقية التي لم تعترف بالوضع الجديد ولم تنتظم في سلك الزعيم البابلي أيضًا. ولم يأبه الماذيون حين ذاك بمقدسات العراق ومعابدها5، ويذكر النص البابلي أنهم اكتسحوا ما فوقهم وما تحتهم وما على يمينهم ويسارهم، وكانوا كإعصار الفيضان. ولم يكن في وسع حليفهم البابلي غير السكوت في سبيل القضاء على الغول الآشوري، أو على حد تعبير النصوص البابلية لم يجد أمامه إلا أن يرسب شعره مهوشًا دون تمشيط ويؤثر النوم على الأرض دون المضاجع؛ تدليلًا على براءته من انتهاك حرمه المعابد على أيدي حلفائه6.