وتركت أواخر القرن الثامن ق. م نصبًا من نصب الهبات "كودورو"، ظهر عليه الملك البابلي يعلن هبته لأحد أتباعه المقربين ويضعها تحت حماية أرباب ظهرت صور مقاصيرهم، وحيواناتهم المقدسة في أعلى النصب1. وصور الفنان ملكه وتابعه تصويرًا جانبيًّا سليمًا لا سيما بالنسبة للصدر الذي لم يلترم بتقليد تصويره باتساعه، وبالنسبة لتصوير قدمي التابع العاريتين اللتين اكتفى بتصوير أصابعهما الظاهرة وحدها، فأظهر الإصبع الكبير لإحداهما والأصابع الخمس للأخرى، ولو أنه تصوير سبقت له أمثلة قديمة أخرى كثيرة. ثم صور ملامح وجه ملكه ومسطح رقبته وصدره ورداء رأسه واستدارة ذراعه بخطوط ناعمة وروح بسيطة تختلف عن الروح الآشورية الرسمية المعاصرة لها في تصوير الملوك.

يقظة بابل وماذي وانهيار آشور:

شكلت علاقات بابل بآشور في أواخر عهد آشور بانيبال وعقب وفاته عدة عوامل، وهي اهتزاز الحدود الآشورية تحت ضغط القبائل الهندوآرية والجبلية من السميريين والسكيثيين والماذيين، واهنزاز العرش الآشوري نتيجة للخلافات الداخلية في البيت المالك، وازدياد حقد البابلين والكلدانيين بعد الانتقامات العنيفة التي أنزلها الآشوريون بهم مرة بعد مرة، ثم انتقال الحكم في بابل إلى أسرة كلدانية قوية استطاعت أن تستغل الظروف المحيطة بها وهي الأسرة الحادية عشرة والأخيرة.

وأسس الحكم البابلي الجديد كلداني يدعى نابو بولاسر "626 - 604ق. م" يحتمل أنه كان ولدًا لأمير يدعى كاندا لونو عينه آشور بانيبال على بابل بعد مقتل أخيه، وعمل قائدًا في الجيش الآشوري وحاكمًا على الأقاليم الجنوبية، ثم عمل لحسابه فزحف على بابل وولي عرشها بعد تفكك أواصر البيت الآشوري الحاكم، ولكن لم يتعد سلطانه في بداية أمره ما حولها.

وتتابعت الأحداث فيما حول بلاد النهرين، ففي شرقها بدأ الماذيون يلعبون دورهم، وكان هؤلاء "وهم من سماهم الإغريق باسم الميديين" فرعًا من الجماعات الإيرانية ذات الأصل الآري، رددت النصوص الآشورية اسمهم منذ القرن التاسع ق. م على أقل تقدير "وأن كان يحتمل ورود اسم قريب من اسمهم في عهد تجلات بيليسر الأول في أواخر القرن الحادي عشر أيضًا"، ثم ذكرتهم نصوص شلما نصر الثالت هم الفرس "باراسو" في جبال كردستان - وخضع القريبون منها لسلطانها. ثم اتضحت تجمعاتهم وأطماعهم منذ أواخر القرن الثامن ق. م، ومالوا إلى التحرر من نفوذ الآشوريين، وذكرت نصوص سرجون انتصاراته عليهم وأنه نفى بعضهم إلى سوريا وأحل محلهم مهاجرين من سماريا ومن شعوب مغلوبة أخرى، وأشارت الروايات العبرية إلى شيء من ذلك. ثم نجح الماذيون في تحقيق كيانهم المستقل حوالي عام 708ق. م بزعامة "دايوكو"، وروت القصص الإغريقية عن هذا الزعيم الذي سمته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015