ثم أشار إلى الباب الثالث فقال: (أوْ) للتنويع (فَافْتَحْ) أيها الصرفي (لَهَا) أي العين افتح هذا يتعدى بنفسه وعده باللام وهو الشاذ لأن القاعدة أن الفعل متعدي إذا تأخر مفعوله يتعدى بنفسه ولا يتعدى باللام هذا هو القياس، فإذا عداه باللام أو بغيره من الحروف قلنا: هذا شاذٌ يحفظ ولا يقاس عليه. إن تقدم المفعول على العامل جاز تعديه باللام، وذكرنا الآية المشهورة: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} [يوسف: 43] تعبرون الرؤيا هذا الأصل، رؤيا هذا مفعولٌ به حينئذٍ إن كنتم تعبرون للرؤيا هذا شاذّ، لما قال: {إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا} قدم الرؤيا {تَعْبُرُونَ} حينئذٍ جاز أن يُعدَّى الفعل إلى المفعول به باللام وهو قياسي، لا، ليس بشاذّ، وإنما يجوز متأخرًا إذا لم يكن العامل فِعْلاً، فإن كانت اسمًا فهو قياسي {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [البروج: 16] ما هذه مفعول به لفعال (فعَّالٌ ما يُريدُ) هذا الأصل تعدَّى باللام وهو قياسي ليس كقوله {لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} لماذا؟ لكونه اسمًا لأنه لما كان اسمًا نزل درجة عن الفعل، إذ الأصل في العمل للأفعال، إذًا (فَافْتَحْ لَهَا) شاذٌ هذا المراد، يحفظ ولا يقاس عليه، والناظم هنا من أجل الوزن، (فَافْتَحْ لَهَا) أي العين تنازع فيه الأفعال الثلاثة قبله (فَاكْسِرِ لَهَا)، (ضُمَّ) لها، (فَافْتَحْ لَهَا)، فاعُمْل الأخير فيه وأسقط نظيره من الأول والثاني لأنه فضل وزاد اللام هنا والفاء كذلك (فَافْتَحْ لَهَا) فاء زائدة للضرورة من أجل الوزن، (لَهَا فِي الغَابِرِ) فافتح في الغابر (فِي الغَابِرِ) جار مجرور بالكسرة متعلق بقوله (افْتَحْ) لأنه فعل أي في الفعل الغابر، و (الغَابِرِ) هذا اسم فاعل غَبَرَ يَغْبُرُ، غَبَرَ يَغْبُرُ غُبُورًا من الأضداد يعني يطلق على الماضي وعلى المستقبل، (فَافْتَحْ لَهَا فِي الغَابِرِ) غابر قلنا: هذا من الأضداد، يعني يطلق على الماضي وعلى المستقبل لكن لا شك أن المراد به ماذا؟ المضارع لماذا؟ لأنه قال: (فَالعَيْنُ إِنْ تُفْتَحْ بِمَاضٍ) (فَافْتَحْ .. فِي الغَابِرِ) إذا قابل الماضي بالغابر، فيحمل الغابر على المضارع، واضح؟ وهذه قرينة تبين أن اللفظ هنا ليس مجملاً، إذًا غَبَرَ يَغْبُرُ غُبُورًا من الأضداد يطلق على الماضي والمضارع والمراد هنا الثاني بقرينة المقابلة بالأول.
والحاصل أن الباب الثالث من الأبواب الستة فَعَلَ يَفْعَلُ بفتح العين في الماضي والمضارع ويجيء لازمًا، لا، ويجيء متعدِّيًا وهو الأكثر نقدم المتعدِّي ويجيء متعدِّيًا وهو الأكثر كمَنَعَ يَمْنَعُ، مَنَعَ فَعَلَ يَمْنَعُ فَعَلَ يَفْعَلَ إذًا فَعَلَ يَفْعَلُ وجاء متعدِّيًا، وفَتَحَ يَفْتَحُ فَعَلَ يَفْعَلُ، ويأتي لازمًا - والأول أكثر المتعدِّي - كبَرَأَ يَبْرَأُ، بَرِئَ زيد، يَبْرَأُ زَيدٌ من كذا، وأَبَى يَأْبَى نقول هذا لازم وهو على وزن فَعَلَ، أَبَيَ وهذا الأصل يَأْبَيَ تحركت الياء فيهما وفتح ما قبله فوجب قلب الياء في الموضعين ألفًا. إذًا الباب الثالث نقول: باب فَعَلَ يَفْعَلُ.
هذا ما يتعلق بالأبواب التي تأتي من فعل بفتح العين وهي ثلاثة.