وَبَايَعَهُ بالسلطة وقلده أُمُور الْمُسلمين فَقبل تَقْلِيده. وأحضرت خلعة سَوْدَاء أفيضت على فرج ونعت بِالْملكِ النَّاصِر. وَمضى حَتَّى جلس على التخت بِالْقصرِ وَقبل الْأُمَرَاء كلهم لَهُ الأَرْض على الْعَادة وألبس الْخَلِيفَة التشريف. وَأخذ بعد ذَلِك فِي جهاز الْملك الظَّاهِر فغُسل وكفُن وصَفي عَلَيْهِ بالقلعة قَاضِي الْقُضَاة صدر الدّين مُحَمَّد الْمَنَاوِيّ وحُمل نعشه على الْأَعْنَاق من قلعة الْجَبَل إِلَى التربة قبل صَلَاة الْجُمُعَة وَسَائِر الْأُمَرَاء والعساكر والأعيان والرعايا مشَاة يضجون ويصرخون حَتَّى وري تَحت التُّرَاب تَحت أَقْدَام الْفُقَرَاء حَيْثُ أوصى. وَلم يعْهَد قبله أحد من الْمُلُوك دفن نَهَارا بديار مصر. فَلَمَّا انْقَضى أَمر دَفنه عَاد الْأُمَرَاء وَنُودِيَ بِالْقَاهِرَةِ ومصر بالترحم على الْملك الظَّاهِر وَالدُّعَاء للْملك النَّاصِر وتطمين النَّاس وأمنهم. وخطب يَوْمئِذٍ على مَنَابِر الْقَاهِرَة ومصر للناصر وَكثر الأسف على فقد الظَّاهِر وَضربت خيمة على قَبره وَقَرَأَ الْقُرَّاء الْقُرْآن على قَبره وَكَانَ النَّاس يظنون قيام فتْنَة عَظِيمَة لمَوْته. فَلم يَتَحَرَّك سَاكن فِي هَذَا الْيَوْم. وَأنْشد الأديب الْمُقْرِئ شهَاب الدّين أَحْمد بن عبد الله بن الْحسن الأوحدي فِي ذَلِك: وَقَالُوا ستأتي شدَّة بعد مَوته فأكذبهم رَبِّي وَمَا جَاءَ سوى فرج وَفِي هَذَا الْيَوْم. بشر بِزِيَادَة مَاء النّيل وَأَن القاع أَرْبَعَة أَذْرع وَنصف. وَفِيه أَرَادَ الْأَمِير الْكَبِير أيتمش أَن يتَحَوَّل من دَاره إِلَى الحراقة بالإصطبل السلطاني. فَمنع من ذَلِك الْأَمِير سودون أَمِير أخور ورد مَا حضر من قماش الْأَمِير أيتمش فاستدعى إِلَى حَضْرَة السُّلْطَان فَامْتنعَ.