الغروب وهو قول ابن مسعود ونقله الواحدي في «البسيط» عن عليّ رضي الله عنه، وبه قال إبراهيم النخعي والضحاك والسدي وهو اختيار الفراء وكما يقال للشمس إذا زالت نصف النهار دالكة يقال لها أيضاً إذا غربت دالكة لأنها في الحالين زائلة. قال الأزهري: والثالث أنه من الزوال إلى الغروب وقال في «القاموس» دلكت الشمس غربت أو اصفرّت أو مالت أو زالت عن كبد السماء فحينئذ في هذه اللفظة دلالة على الظهر والعصر والمغرب من استمعال المشترك في معانيه أمّا في الظهر والمغرب فواضح لما مرّ وأمّا العصر فلأنّ أول وقتها أوّل أخذ الشمس في الاصفرار وأدل دليل على ذلك أنه تعالى غيا الإقامة لوقت العشاء بقوله تعالى: {إلى غسق الليل} أي: ظلمته وهو وقت صلاة عشاء الآخرة والغاية أيضاً هنا داخلة لما سيأتي وقد أجمعوا على أنّ المراد من قوله تعالى: {وقرآن الفجر} أي: صلاة الصبح وهو منصوب قيل على الإغراء، أي: وعليك بقرآن الفجر ورد أسماء الأفعال لا تعمل مضمرة. وقال الفراء: أنه منصوب بالعطف على الصلاة في قوله تعالى: {أقم الصلاة} والتقدير أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر وحينئذٍ تدخل الصلوات الخمس في هذه الآية. قال ابن عادل كالرازي: وحمل كلام الله تعالى على ما يكون أكثر فائدة أولى انتهى.

وسميت صلاة الصبح قرآناً لاشتمالها عليه وإن كانت بقية الصلوات أيضاً مشتملة عليه لأنه يطوّل فيها في القراءة ما لا يطوّل في غيرها فالمقصود من قوله تعالى: {وقرآن الفجر} الحث على طول القراءة فيها أكثر من غيرها لأنّ التخصيص بالذكر يدل على كونه أكمل من غيره. ولما كان القيام عن المنام يشق علل مرغباً مظهراً غير مضمر لأنّ المقام مقام تعظيم فقال:

{إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً} أي: تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار ينزل هؤلاء ويصعد هؤلاء فهو في آخر ديوان الليل، وأوّل ديوان النهار. قال الرازي: ثم أنّ ملائكة الليل إذا صعدت قالت: يا رب إنا تركنا عبادك يصلون لك وتقول ملائكة النهار ربنا إننا أتينا عبادك وهم يصلون فيقول الله تعالى لملائكته: اشهدوا بأني قد غفرت لهم. وقال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تفضل صلاة الجمع صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين درجة وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر، ثم يقول أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: {إنّ قرآن الفجر كان مشهوداً} » وهذا يدل على أنّ التغليس أولى من التنوير لأنّ الإنسان إذا شرع فيها من أوّل الوقت ففي ذلك الوقت ظلمة باقية فتكون ملائكة الليل حاضرة ثم امتدّت الصلاة بسبب ترتيل القراءة وتكثيرها زالت الظلمة وظهر الضوء وحضرت ملائكة النهار، وأمّا إذا ابتدأ بهذه الصلاة في وقت التنوير فهناك لم يبق أحد من ملائكة الليل فلا يحصل المعنى المذكور فقوله: {كان مشهوداً} يدل على أنّ التغليس أفضل، وأيضاً الإنسان إذا شرع في صلاة الصبح من أوّل هذا الوقت فكانت الظلمة القوية في العالم فإذا امتدّت القراءة ففي أثناء هذا الوقت ينقلب العالم من الظلمة إلى الضوء والظلمة مناسبة للموت والعدم، والضوء مناسب للحياة والوجود، فالإنسان لما قام من منامه فكأنه انتقل من الموت إلى الحياة ومن العدم إلى الوجود ومن السكون إلى الحركة، وهذه الحالة

العجيبة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015