بالهجرة فخرج بنفسه. قال ابن عادل تبعاً للرازي: وهذا أليق بالآية لأنّ ما قبلها خبر عن أهل مكة والسورة مكية وهذا اختيار الزجاج وكثير في التنزيل ذكر الأرض والمراد منها مكان مخصوص كقوله تعالى: {أو ينفوا من الأرض} (المائدة، 33)

أي: من مواضعهم. وقوله تعالى حكاية عن أخي يوسف: {فلن أبرح الأرض} (يوسف، 80)

يعني الأرض التي كان قصدها لطلب الميرة. فإن قيل: قال تعالى: {وكأين من قرية هي أشدّ قوّة من قريتك التي أخرجتك} (محمد، 13)

يعني أهل مكة فالمراد أهلها، فذكر تعالى أنهم أخرجوه، وقال تعالى: {وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها} فكيف الجمع بينهما على القول الثاني؟ أجيب: بأنهم هموا بإخراجه وهو صلى الله عليه وسلم ما خرج بسبب إخراجهم وإنما خرج بأمر الله تعالى وحينئذٍ فلا تناقض {وإذاً} أي: وإذا أخرجوك {لا يلبثون خلفك} أي: بعد إخراجك لو أخرجوك {إلا} زمناً {قليلاً} وقد كان كذلك على القول الثاني، فإنهم أهلكوا ببدر بعد هجرته، وعلى القول الأوّل قتل منهم بني قريظة وأجلى بني النضير بقليل. وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وشعبة بفتح الخاء وسكون اللام والباقون بكسر الخاء وفتح اللام وبعدها ألف، قال الشاعر:

عفت الديار، أي: اندرست ـ خلافهم، أي: خلفهم.

*فكأنما بسط الشواطب بينهنّ حصيرا

الشواطب النساء اللاتي يشققن الجريد ليعملن منه الحصير والشطب والشواطب سعف النخل الأخضر يصف دروس ديار الأحبة بعدهم وأنها غير منكوسة كأنما بسط فيها سعف النخل. ولما أخبره بذلك أعلمه أنه سنة في جميع الرسل بقوله تعالى:

{سنة} أي: كسنة أو سننا بك سنة {من قد أرسلنا قبلك} أي: في الأزمان الماضية كلها {من رسلنا} أنا نهلك كل أمّة أخرجوا رسولهم من بين أظهرهم، والسنة لله وإضافتها إلى الرسل لأنها من أجلهم ويدل عليه قوله تعالى: {ولا تجد لسنتنا تحويلاً} (الإسراء، 77)

أي: تغييرا. ولما قرّر تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم الآلهيات والمعاد والنبوّات أردفها بذكر الأمر بالطاعة وأشرف الطاعة بعد الإيمان الصلاة فلذلك قال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم

{أقم الصلاة} بفعل جميع أركانها وشرائطها بحيث تصير كأنها قائمة بنفسها فإنها لب العبادة لما فيها من المناجاة والإعراض عن كل غير، وفناء عن كل سوى، بما أشرق من أنوار الحضرة التي قد اضمحل إليها كل فان، وفي ذلك إشارة عظيمة إلى أنّ الصلاة أعظم ناصر على الأعداء الذين يريدون بمكرهم استفزاز الأولياء ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة ثم عين له الأوقات بقوله تعالى: {لدلوك الشمس} في هذه اللام قولان أحدهما أنها بمعنى بعد، أي: بعد دلوك الشمس ومثله قول متمم:

*فلما تقرّقنا كأني ومالكاً

... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

والثاني أنها على بابها لأنها إنما تجب بزوال الشمس والدلوك مصدر دلكت الشمس وفيه أقوال أحدها: أنه الزوال وهو قول ابن عباس وابن عمر وجابر وأكثر التابعين ويدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم «أتاني جبريل لدلوك الشمس حين زالت فصلى بي الظهر» وقول أهل اللغة معنى الدلوك في كلام العرب الزوال، ولذلك قيل للشمس إذا زالت نصف النهار دالكة. والثاني أنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015