فهر أخشاها عليك، فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية فجاءت وما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إني رأيت قريشاً قد علمت أني ابنة سيدها وإنّ صاحبك هجاني فقال أبو بكر: لا ورب الكعبة ورب هذا البيت ما هجاك. وروى ابن عباس أنّ أبا سفيان والنضر بن الحارث وأبا جهل وغيرهم كانوا يجالسون النبيّ صلى الله عليه وسلم ويسمعون حديثه فقال النضر يوماً: ما أرى ما يقول محمد غير أني أرى شفتيه يتحرّكان بشيء. وقال أبو سفيان: إني لا أرى بعض ما يقوله إلا حقاً. وقال أبو جهل: هو مجنون. وقال أبو لهب: هو كاهن. وقال حويطب بن عبد العزى: هو شاعر، فنزلت هذه الآية. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد تلاوة القرآن قرأ قبلها ثلاث آيات وهي في سورة الإسراء: {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً} (الإسراء، 46)
. وفي سورة النحل {أولئك الذين طبع الله على قلوبهم} (النحل، 108)
وفي حم الجاثية {أفرأيت من أتخذ إلهه هواه} (الجاثية، 23)
إلى آخر الآية، فكان الله تعالى يحجبه ببركة هذه الآيات عن عيون المشركين {وإذا ذكرت ربك} أي: المحسن إليك وإليهم {في القرآن وحده} أي: مع الإعراض عن آلهتهم كأن قلت وأنت تتلو القرآن لا إله إلا الله.
تنبيه: في نصب وحده وجهان أحدهما أنه منصوب على الحال وإن كان معرفة لفظاً في قوّة النكرة إذ هو في معنى منفرداً. والثاني: أنه منصوب على الظرف. {ولّوا على أدبارهم نفوراً} أي: هرباً من استماع التوحيد. تنبيه: في نفوراً وجهان أحدهما مصدر من غير اللفظ مؤكد لأنّ التولي والنفور بمعنى والثاني أنه حال من فاعل ولوا وهو حينئذٍ جمع نافر كقاعد وقعود وشاهد وشهود والضمير في ولوا يعود إلى الكفار وقيل يعود إلى الشيطان وإن لم يجر لهم ذكر. قال المفسرون: إنّ القوم كانوا عند استماع القرآن على أقسام منهم من كان يلهو عند استماعه. روي أنه عليه الصلاة والسلام كان كلما قرأ القرآن قام عن يمينه ويساره إخوان من ولد قصيّ يصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار، ومنهم من كان إذا سمع من القرآن ما فيه ذكر الله تعالى بقوا مبهوتين لا يفهمون منه شيئاً ومنهم من إذا سمع آيات فيها ذكر الله تعالى وذم المشركين ولوا نفوراً وتركوا ذلك المجلس. ولما كانوا ربما ادّعوا السمع والفهم فشككوا بعض من لم يرسخ إيمانه أتبعه تعالى بقوله تعالى:
{نحن أعلم} أي: من كل عالم {بما يستمعون} أي: يبالغون في الإصغاء والميل لقصد السمع {به} من الآذان والقلوب أو بسببه ولأجله من الهزء بك وبالقرآن {إذ يستمعون} أي: يصغون بجهدهم {إليك} أي: إلى قراءتك {وإذ} أي: حين {هم} ذو {نجوى} أي: يتناجون بأن يرفع كل منهم بصره إلى صاحبه بعد إعراضهم عن الاستماع ثم ذكر تعالى ظرف النجوى بقوله تعالى: {إذ} وهو بدل من إذ قبله {يقول الظالمون} وقولهم {إن} أي: ما {تتبعون إلا رجلاً مسحوراً} أي: مخدوعاً مغلوباً على عقله. وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر علياً أن يتخذ طعاماً ويدعو إليه أشراف قريش من المشركين ففعل ذلك ودخل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليهم القرآن ودعاهم إلى التوحيد وقال:
قولوا لا إله إلا الله حتى تطيعكم العرب وتدين لكم العجم» فأبوا عليه ذلك وكانوا عند استماعهم من النبيّ صلى الله عليه وسلم القرآن والدعوى إلى الله تعالى يقولون: {إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً} .